ماذا لو اقام جنبلاط عرضاً عسكرياً في الشوف؟

د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

ماذا لو قرَّر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ان يُقيم في كل بلدة من بلدات الجبل؛ عروضاً لمجموعات شبابية مشابهة للعرض العسكري الذي حصل في بلدة الجاهلية الشوفية الاحد الماضي. وهو لا يحتاج الى طلب المساعدة من اي جهة لإستكمال عدد الحاضرين، او المشاركين بالعرض لأنه يملك من الانصار ما يكفي، خصوصاً  اذا كانت المساعدة من الاخوة السوريين، خصوصاً المُهجَّرين الى لبنان، لأن هذه الاستعانة تُشكِلُ خطورة كبيرة على لبنان وعلى المهجَّرين أنفسِهِم، ذلك ان إمتعاض اللبنانيين من مشاهدة سوريين مشاركين بعرض الجاهلية – على ما بدى امام كاميرات الاعلام – كان كبيراً جداً، ومَن دعاهُم اليوم او ساند مشاركتهم؛ يمكن ان يدفع اكثر من غيره ثمن إنغماس هؤلاء في اللعبة الداخلية اللبنانية فيما لو حصل ذلك اكثر.

لو اقام جنبلاط بالفعل عرضاً لمجموعات من المُلثمين، ومُرتدي الثياب السوداء، مع اغاني حربية وشعارات تُشبِه الشعارات التي وُضعت على رؤوس الذين شاركوا في استعراض الجاهلية؛ لقامت القيامة السياسية بكل تأكيد، ولأستنفرت القوى الامنية برمتها، ولأُعتُبِر الامر إنقلاباً عسكرياً هدفهُ تقويض استقرار الدولة، ومُحاصرة العهد الجديد الذي بدأ بإنتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية.

يمتلك مَن اشرَفَ ونظَّم استعراض الجاهلية( ولو ببضع عشرات من الشبان) قدرة خارقة على الخلط بين الرياضي والعسكري، وقدرة على التوضيح الاعلامي: في كونه اخفى السلاح هذه المرَّة احتراماً للدولة، او لأن العدو ” الصهيوني – الداعشي ” الذي أُنشأت السرايا لمحاربته؛ لم يأتي بعد. طبعاً اللبنانيون وغير اللبنانيين يعرفون حكاية هذه ” السرايا ” ومّن يقف ورائها، ومَن يزودها بالمال والسلاح، ومَن يُغطّي تجاوزاتها ويغُض الطرف عن ممارساتها، وآخرها تفجير سيارة عنجر بالجرم المشهود، ويعرفون ايضاً ان اهدافها؛ ليس محاربة اسرائيل او داعش.

بطبيعة الحال؛ فإن هذه الاستعراضات العسكرية في الجاهلية وغير الجاهلية، وفي هذا التوقيت بالذات؛ هدفها توجيه رسائل الى الداخل اللبناني، اي الى العهد الجديد، مفادها إفهام رموز هذا العهد، وداعميه – خصوصاً الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط – ان هذه القوى التي تقف خلف الاستعراضات العسكرية؛ قادرة على تقويض الاستقرار اللبناني ومحاصرة العهد حيثما تشاء. ولا تعتقِد اوساط مُطلعة على ما يجري: ان التهديد يستهدف جنبلاط – كما ورد في بعض الخطابات – لأن جنبلاط اعتاد على التعايُش مع مثل هؤلاء خلال حقبات الوصاية السورية وما بعدها، ويعرف ان رسائل “الصواريخ الورقية” كما قال؛ لا تؤثر على صلابة موقفه الثابت الى جانب تدعيم مؤسسات الدولة التي من مسؤولياتها – وتعود لها – كامل الصلاحية في التعامل مع التجاوزات الامنية وغير الامنية. وجنبلاط وغيره من القوى المؤمِنة بهذا المسار؛ وضعوا كل اوراقهم في سلَّة الشرعية، ولن يُقدِموا على اي عمل يُعيد الفوضى – او الحرب الاهلية – الى البلاد، مهما كان نوع التهديد الذي يواجههم، لأن المصلحة العامة للشعبين اللبناني والسوري فوق كل الإعتبارات، ولا يغير هذه القناعة بعض العتب على جهات في وزارتي الداخلية والدفاع لهم القدرة ان يمنعوا هذه الاستعراضات المُحاصرة شعبياً ( ودائماً حسب الاوساط المُطلِعة ذاتها).

وتُضيف هذه الاوساط السياسية: ان مصلحة الدروز تكمن في الاستقرار في لبنان وسوريا، وان لا يكونوا اداة لصالح مشاريع دموية مُدمِرة. وإذا كان هدف الذين يحاولون تهديد الاستقرار في الجبل اليوم؛ الدفاع عن حقوق المُسلمين الدروز في لبنان وسوريا، فأولى بهم التوسُّط مع اجهزة الدولة في سوريا لـتأمين الطحين والمحروقات لهم في محافظة السويداء، حيث يقِف المواطنون هناك طوابير طويلة للحصول عليها، بينما الكهرباء مقطوعة عنهم معظم الاوقات ومتوافرة في محافظات أُخرى.

وتتابع الاوساط ذاتها بالقول: لا يوجد عوائق او محضورات امام العمل السياسي في لبنان، وتكفل القوانيين اللبنانية للجميع التعبير عن ارائهم في الملفات الداخلية والخارجية. ومسؤولية الدولة واجهزتها منع استغلال هذه الحرية لتقويض الاستقرار، او لإعادة إنتاج ميليشيات مسلحة تحت اية اعتباراتٍ او شعارتٍ واهية.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

التوازن السياسي في لبنان

قراءة مختلفة لأحداث الأسبوع اللبناني الطويل

انفلات التخاطب السياسي في لبنان: أسبابه ونتائجه

هل هناك ما هو أبعد من تمثيل نواب «سنة 8 آذار» في الحكومة؟

الرأي العام اللبناني لا يريد التصعيد السياسي

هل انقلبت صفحة التفاؤل.. أم أن التعقيدات غيمة خريف وستنجلي؟

استحقاقات لبنانية داهمة

عن نظرية عدم حصرية تمثيل الطوائف في الحكومة

عن خطورة وخلفيات ما حصل في المطار

لقاء بكركي الذي حرّك السواكن الحكومية

ماذا تقول أوساط معارضة عن الأحجام السياسية؟

مصالح لبنان في سورية ومصالح سورية في لبنان

مواقف في خطاب عيد الجيش

ما مبررات مواقف «الاشتراكي» و«القوات» من تشكيل الحكومة؟

عن الانعكاسات الخطيرة لتوقف القروض السكنية

عن إشكالية حصة الرئيس الوزارية

عوامل التفاؤل والتشاؤم

مرحلة ما بعد الانتخابات والأحلاف السياسية

عن الآثار السياسية لاستبعاد النائب أنطوان سعد

لبنان: الحسابات السياسية تختلف عن الحسابات المالية