الطائفية السياسية والتهميش السياسي

د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

كان موضوع تشكيل لجنة لإلغاء الطائفية السياسية؛ من اهم بنود اتفاق الطائف الذي انهى الحرب الاهلية اللبنانية عام 1989. وجاء في الاتفاق: انه عند الشُروع بإلغاء الطائفية في مؤسسسات الدولة، يُشكَّل مجلس شيوخ يمثل العائلات الروحية اللبنانية (وُعِدَ المسلمين الموحدين الدروز برئاسته) تكون مهمته توقيف اي إخلال بحقوق الطوائف اللبنانية على المستوى العام، بما في ذلك منع طغيان طائفة على طائفة أُخرى، او مجموعة مذهبية على مجموعة أُخرى، ويضمن المساواة بين المواطنيين اللبنانيين لأي فئة انتموا.

الغاء الطائفية السياسية كان مطلبٌ جامعٌ للقوى والاحزاب الوطنية والعلمانية قبل الحرب الاهلية، لأن الدولة اللبنانية كانت تعاني من التدخلات الطائفية في غالب الاحيان، مما سبب تهميشاً شعرت به مجموعة كبيرة من اللبنانيين – خصوصاً المسلمين منهم – وساد لفترة طويلة من الزمن؛ نظامٌ يُشبه ” نظام التمييز العنصري ” في بعض جوانبه، وادى الى استبعاد الكفاءات الوطنية على حساب غَلَبة واضحة لأصحاب الولاءات الطائفية، وساهم هذا الامر بتفاقُم الاضطرابات التي ادت الى وقوع الحرب الاهلية على مدى 15 سنة.

النظام اللبناني؛ ديمقراطي وعادل وينص دستوره على مساواة كاملة بين المواطنيين في الحقوق والواجبات، ولكنه يتضمن في الوقت ذاته تقسيماً طائفياً لمواقع السلطة الاساسية، حيث يتشكل مجلس النواب مناصفة بين المسلمين والمسيحيين وكذلك وظائف الفئة الاولى، وينسحب هذا الامر على مجلس الوزراء عُرفاً، من دون تحديد طائفية اية وزارة او وظيفة ولأية طائفة ستكون. هذا الامر خُرِق، وبالتالي يمكن ان نقول: ان الميثاقية التي وردت في اتفاق الطائف خُرقت، لأن ممثلي بعض الطوائف، او المذاهب، اصبحوا يعتبرون بعض الوزارات او وظائف الفئة الاولى حكراً عليهم، ولا يجوز ان تصل الى غيرهم، وهذا ما ينطبق على (ما يسمى الوزارات السيادية) اي الخارجية والمالية والداخلية والدفاع، علماً ان الوزارتين الاخيرتين غالباً ما كان يتولاها وزراء دروز قبل اتفاق الطائف.

الشعور بالتهميش دار دورته في لبنان على كل الطوائف قبل اتفاق الطائف وبعده، وإبان الوجود العسكري السوري. فتارةً عانا منه الشيعة قبل الحرب، وتارة أُخرى السنة إبان الحرب، وتارة المسيحيون الموارنة في فترة الوجود السوري. وكان المأمول ان يتقلَّص التهميش بعد خروج السوريين في العام 2005، لكن واقع الحال إزداد تفاقُماً، وغلبت على عملية تشكيل الحكومات وعلى تعيين وظائف الفئة الاولى، شكل من اشكال الكيدية التي تستقوي بالغَلَبة العددية للطوائف الاربعة الاولى في لبنان، وكرَّست لهذه الطوائف الوزارات الاربعة الاكبر في الحكومة، وكذلك الوظائف الاساسية، لاسيما قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان وقيادة قوى الامن والامن العام ورئاسة الجامعة اللبنانية، وحتى محافظي المحافظات الكبرى – إضافة للرئاسات الثلاث ونوابهم –  مما ولَّد شعوراً بالتهميش عند الطوائف الاساسية الأُخرى المشاركة في تأسيسي الكيان، لاسيما طائفة المسلمين الموحدين الدروز.

كانت مقاربة النائب وليد جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي بعد اتفاق الطائف، تستند على الابتعاد عن تولي الوزارات الكبرى، او ما يسمى بالوزرات السيادية، لأنها تتعلق بالامن والدفاع والخارجية، التي كانت تُدار من قبل الاجهزة الامنية السورية بواقع الحال، اما المالية فتُرِكت للرئيس الشهيد رفيق الحريري لأنه كان يتولَّى الشأن لاقتصادي برمته، وجنبلاط كان يتمثل بوزير من غير الدروز إضافة لوزيرين درزيين في الحكومات المتعاقبة، على اعتبار ان حزبه يضّم شرائح واسعة من غير الدروز، ولا يريد هو ان يكون طائفياً، لأن حزبه ينادي دائماً بإلغاء الطائفية السياسية.

يبدو جنبلاط مُنشغلاً الى حدود كبيرة في الاخطار التي تُهدِد الدولة برمتها ويهمه ان يعود القطار الى السكة، وهو لا يتوقف كثيراً عند تفاصيل توزيع الحقائب الوزارية، او المواقع الوظيفية، ولكن الشعور العام عند مناصريه الذين يتقيدون بكل ما يقوله؛  يسوده الامتعاض لأن اغلبية الآخرين لا يُقدرون هذه التنازلات، ولأن شهية البعض مُنفتحة بقوة على الاستيلاء على المواقع الاساسية في الدولة والإستفادة منها ولا تهمهم كثيراً الى الويلات المحيطة والتي تُهدِد الوطن.

 

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

التوازن السياسي في لبنان

قراءة مختلفة لأحداث الأسبوع اللبناني الطويل

انفلات التخاطب السياسي في لبنان: أسبابه ونتائجه

هل هناك ما هو أبعد من تمثيل نواب «سنة 8 آذار» في الحكومة؟

الرأي العام اللبناني لا يريد التصعيد السياسي

هل انقلبت صفحة التفاؤل.. أم أن التعقيدات غيمة خريف وستنجلي؟

استحقاقات لبنانية داهمة

عن نظرية عدم حصرية تمثيل الطوائف في الحكومة

عن خطورة وخلفيات ما حصل في المطار

لقاء بكركي الذي حرّك السواكن الحكومية

ماذا تقول أوساط معارضة عن الأحجام السياسية؟

مصالح لبنان في سورية ومصالح سورية في لبنان

مواقف في خطاب عيد الجيش

ما مبررات مواقف «الاشتراكي» و«القوات» من تشكيل الحكومة؟

عن الانعكاسات الخطيرة لتوقف القروض السكنية

عن إشكالية حصة الرئيس الوزارية

عوامل التفاؤل والتشاؤم

مرحلة ما بعد الانتخابات والأحلاف السياسية

عن الآثار السياسية لاستبعاد النائب أنطوان سعد

لبنان: الحسابات السياسية تختلف عن الحسابات المالية