الإستقلال المكبَل بالإرتهان!

وسام القاضي

يحتفل لبنان الرسمي والإعلامي في هذه الفترة بعيد الإستقلال، وهذه الظاهرة إستمرت مع كافة العهود وحتى خلال الحرب، مع تفاوت بشكل الإحتفال العسكري ومضمونه وفي الأوضاع التي كانت تسود، من زيارة أضرحة رجالات الإستقلال مرورا بالعرض العسكري وصولا لإستقبال المهنئين في القصر الرئاسي.

ونقول الإحتفال الرسمي والإعلامي لأن الشعب يعي تماما معنى الإستقلال الحقيقي، وحقيقة غياب القرار المستقل لدى الدولة اللبنانية، لأن الشعب شاهد ورأى بأم العين كيف أن الشعوب تطلق الثورات لتحصل على الإستقلال ومن ثم تبني دولها بقرارات وأنظمة داخلية تهم مصالح شعبها بالدرجة الأولى.

الإستقلال يبدأ بوجود دولة تفرض هيبتها على شعبها، وتسهر على حقوق المواطنين، وفي المقابل شعب يحترم قوانين دولته ويعمل على إتمام واجباته تجاهها، الإستقلال الحقيقي هو في إلتفاف جميع القوى والأحزاب والتنظيمات حول الدولة وليس عليها لتقاسم حصصها، هو بأن يضعوا وجودهم تحت سقف الدولة وليس فوقها، الإستقلال الحقيقي هو في ان يعمد هؤلاء لوضع خطط النهوض بلبنان وفق مصالح شعبه وليس وفق مصالح الجهات الخارجية التي تغدق عليهم بنعيمها.

88

كيف يمكن للإستقلال ان يتحقق إذا كان لبنان من أكثر الدول العربية التي دفعت ثمن الصراع العربي الإسرائيلي ولم يزل؟ كيف يمكن للإستقلال أن يتحقق إذا كانت مصالحه مرتبطة بمجموعة متناقضات، فعلاقاته الإقتصادية مع دول الخليج العربي هي شريانه الحيوي، وقسم كبير من أطرافه السياسية مرتبط بالنفوذ السوري والإيراني، وهو يقع ما بين المطرقة والسندان، والصراع السني الشيعي في المنطقة يظلل على الوضع اللبناني برمته. كيف يمكن للإستقلال أن يتحق وسياسة النأي بالنفس مغيبة في ظل بركان يجتاح المنطقة ما بين اليمن وليبيا، وما بين العراق وسوريا، وما بين صراع بسط نفوذ الأتراك والإيرانيين، أوشد الحبال ما بين الغرب والروس.

إن غياب مقومات دولة تبسط سيادتها جعل من الساحة اللبنانية مستباحة أمام جميع أجهزة الإستخبارات في العالم، وكل طرف دولي يريد توجيه رسالة إلى طرف آخر يعتمد الساحة اللبنانية وسيلة له، وهذا طبعا بسبب التشتت والتشرذم الحاصل لدى شعب منقسم على نفسه وفق إنتماءاته المذهبية والطائفية.

وخير دليل على هذا الإنقسام الحاد هو الأخذ والرد في تاليف حكومة الرئيس سعد الحريري، حيث أن جوهر الصراع ما بين 8 و14 آذار لم يسقط إلا على هاوية التقاسم المذهبي، فبالرغم من كل ما حصل عبر أكثر من عشر سنوات بقي هذا الصراع محتدما وأدى إلى إنقسام عامودي حاد، لكن المصالح المذهبية والتي تتناحر اليوم لتحقيق مصالحها على حساب المصلحة العامة للبلاد قد قضت على هيكلية ووجود كل من 8 و14 آذار، وبالتالي قد ثبت أن المذاهب والطوائف في لبنان هم فوق الدولة وأقوى منها.

وحدها المؤسسة العسكرية سلمت حتى الآن من هذا الإنقسام المدمر، والجيش حافظ على وحدته وتماسكه، أما إدارات الدولة فأصبحت تابعة لمذهب الوزير القيم عليها، فيما الأجهزة الامنية بإستثناء الجيش لم تسلم من المحسوبيات على الطوائف الكبرى، فهل هذا أمر طبيعي ويعطي شرحا وافيا عن إستقلال لبنان.

فبعد هذه الشرذمة المذلة تعلو أصوات بعض المواطنين لتقول ليت لبنان لم يستقل، وليته بقي منتدباً من قبل فرنسا، لكانت الكهرباء والمياه مؤمنة، ولكانت تطورت القوانين مع تطورها في فرنسا، ولكان لبنان واكب التطور التكنولوجي في العالم، ولكانت الإدارة قد سلمت من الفساد المستشري في دوائرها.

image010

وأهم من هذا كله ليت المذاهب والطوائف تعطي الإستقلال الحقيقي والمنشود للدولة اللبنانية كي تنهض من كبوتها وتسير وفق أنظمة وقوانين عادلة تنصف أبناء هذا الشعب فيما بينهم ولا يبقى هنالك من “أبناء ست وأبناء جارية”، والجميع يصبحون في داخل كنف الدولة وتحت سقفها.

*رئيس جمعية كمال جنبلاط الفكرية

 

اقرأ أيضاً بقلم وسام القاضي

كتاب مفتوح إلى السيد حسن نصرالله

ويبقى المقدم شريفاً في ذكراه السنوية

المرحلة الجديدة تتطلب تغييراً جذرياً بأسلوب العمل

عندما يرتقي التقدميون الإشتراكيون الى مستوى المرحلة

ما بين التوريث السياسي والوراثة الإقطاعية

زهرة على ضريح المعلم

قوة لبنان في حياده!

تقاطع المصالح والحسابات الخاصة

عودة الثنائيات وشد العصب!

الرقص على حافة الهاوية 

يوم الوفاء

وطن على شفير الهاوية

الجمعية العامة للحزب في ظل ما يحيط بالمنطقة من أجواء ملتهبة

الدور الوطني للحزب التقدمي الإشتراكي

التمثيل الصحيح بالعدل في حقوق المواطنين

النسبية قناع للنفوذ المذهبي المتشدد

تقسيم السلطة أخطر من تقسيم الوطن

أزمة النظام اللبناني بعد رفض المثالثة!

ذكرى ثورة فكرية في عصر التخلف والإنحدار

ماذا عن اليوم التالي للإنتخابات؟