فصل رئاسي في محنة أميركا

رفيق خوري (الأنوار)

عام ١٩١٦ جال الشاعر الهندي رابندرنات طاغور في أميركا. ما صدمه، فوق ما أعجبه، وهو الآتي من عالم الروحانيات والأساطير والقلوب والبيوت المفتوحة، كان ما وصفه بأنه مناخ كثيف السموم من شك عالمي الانتشار وجشع وألم. عام ٢٠١٦ تراشق بالوحل المتنافسون داخل كل حزب على الترشح للرئاسة باسمه، ثم جال المرشحان الرسميان، الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية هيلاري كلينتون في الولايات، وصدما الداخل والخارج بأحطّ مستوى من التفاهة في ادارة معركة على أقوى منصب في العالم.

اليوم تحسم صناديق الاقتراع نتائج السباق الطويل الى البيت الأبيض. لكن المعركة على روح أميركا مستمرة. فما كشفته معركة الانتخابات يتجاوز التوقف أمام التنافس بين مرشحة النخبة والاستبلشمنت والستاتيكو وبين مرشح الأنتي نخبة واستبلشمنت وستاتيكو. مرشحة الأمل والمصالح المالية، ومرشح الغضب والخوف.

وقمة المفارقات ان أيا منهما ليس الخيار الحقيقي لمن انتخبه. فالناخبون البيض من الطبقة الوسطى والطبقة العاملة الذين بنى ترامب رصيده على الدفاع عن حقوقهم واللعب على مخاوفهم الاقتصادية والمالية والاجتماعية اختاروا في قضية محقّة الرجل – الخطأ الذي هو أسوأ نوع من رجال الأعمال بالنسبة الى الأجور والضرائب. والناخبون السود والهسبانيك والمسلمون هربوا من عنصرية ترامب الى تأييد كلينتون. حتى النساء، وهن نصف الناخبين وفي قمة الطموح والحماسة لوصول امرأة الى البيت الأبيض للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، فانهن يردن امرأة أخرى غير هيلاري التي يصفها المعلق ديفيد بروكس بأنها دور لا شخص.

وعلى كثرة ما تواجه أميركا من تحديات في الداخل والخارج وما عليها من مسؤوليات، فان الحملة الانتخابية دارت على أمور هامشية: أي امرأة تحرّش بها ترامب قبل ثلاثين سنة، لماذا سكتت هيلاري عن خيانات زوجها بيل كلينتون وماذا في حاسوبها الالكتروني، وما هو عدد الأكاذيب التي أطلقها كل منهما؟ وعندما كان من الصعب إبقاء القضايا المهمة في الظلام، فان ترامب يقدم الحلول الخطأ أو الحلول المستحيلة، وكلينتون تقدم أجوبة مراوغة عن برامجها ومواقفها.

وليس هذا محصورا بحملات المرشحين. فالتحولات كبيرة وعميقة في المجتمع. إذ في التسعينات من القرن الماضي ربح بيل كلينتون الرئاسة بشعار انه الاقتصاد، يا غبي. اليوم تتقدم مسألة الهوية والقضايا الثقافية والاجتماعية على الاقتصاد في المعركة. وبعد أكثر من قرنين على سياسة وعاء الصهر وخلق أمة عظيمة من شعوب متعددة ومهاجرة، يغرق البلد الأقوى في العالم اقتصاديا وعسكريا وتكنولوجيا وصاحب أهمّ الجامعات ومراكز الدراسات في صراعات اللون والعرق والدين والطائفة.

وليس الخيار بين مرشحين غير مؤهلين للرئاسة سوى فصل في محنة أميركا.

اقرأ أيضاً بقلم رفيق خوري (الأنوار)

أزمة حكم أعمق من الطابع الدستوري

صراع المصالح والعصبيات في نظام فيتوقراطي

أي ترجمة عملية لانتصارات بوتين؟

صراع ما بعد الحرب على داعش

حكومة هندسات سياسية وديمقراطية ممرات الزامية

تقاسم الخارطة السورية ومحاربة داعش بالتفاهم

واشنطن وطهران والرياض: أي موقع للبنان؟

أميركا والعالم: مخاطر ما بعد الانتخابات

تحديات تحييد لبنان: أين ناصر عون؟

لبنان والمنطقة: معارك في حرب واحدة

شطرنج بوتين وأوباما: أي خيار في حلب؟

لقاء مضطرين لا تفاهم حلفاء

حسابات معركة الموصل: هل انتهت وظيفة داعش؟

كلفة تخطي بوتين للقياصرة والسوفيات

بوتين والقياصرة والسوفيات: ثوابت الجيوبوليتيك الروسي

الخلاف الأميركي – الروسي هو الوجه الآخر للاتفاق

خريف الأمم المتحدة: التفرّج على الجحيم

أوهام رهانين ثابتين في متغيرات سوريا

اتفاق كيري – لافروف ل تنظيم الحرب

قمة الشيزوفرينيا السياسية: خطر الفراغ وخطر اللافعل