بعد الانتخاب والتكليف ومساعي التأليف: حكومة الفرصة الأخيرة ما قبل الانهيار والفشل!

ناجي مصطفى (الأنباء)

إنتهت نوبات القلق وحبس الانفاس التي إنتابت أركان التيار الوطني الحر طوال المرحلة التي سبقت إنتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية والتي كانت قد استمرت حتى آخر لحظة من عملية الاقتراع تحت قبة البرلمان، لا سيما مع عدم تمكن التيار من تأمين غالبية الثلثين من الأصوات التي كانت تكفيه للاستغناء عن الدخول في دورة ثانية من التصويت مع ما رافقها من تشويق واثارة مقصودين ربما! حتى خرج الدخان الأبيض الذي انتظره أنصار التيار ما يزيد عن ربع قرن من السنين لإعلان العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية.

ولعل من المفارقات أن الاصوات التي حاز عليها زعيم المستقبل سعد الحريري، نتيجة الاستشارات النيابية الملزمة لتكليفه برئاسة الحكومة، فاقت بكثير الأصوات التي حصل عليها الرئيس عون، الأمر الذي يؤشر إلى أن قدرة التيار الأزرق على التحشيد البرلماني بين الكتل النيابية والنواب المستقلين لا زالت على زخمها وقوتها رغم كل ما قيل عن إرباكات داخلية يعيشها تيار المستقبل أثرت على حضوره ودوره وعلى علاقته مع القوى الأخرى الحليفة منها أو تلك التي يتقاطع معها في ملفات ويختلف معها في أخرى.

إذن من المرجح أن تبدأ الحكومة العتيدة بعد تأليفها ونيلها الثقة بزخم كبير وسط مناخات دولية وإقليمية مشجعة جرى التعبير عنها من خلال سيل المواقف التي تلت انتخاب الرئيس عون، فالمجتمع الدولي يحتاج إلى الحفاظ على مقدار معين من الإستقرار الداخلي في لبنان عن طريق فصله ما أمكن عن أزمات المنطقة وتعقيداتها، ليس حبا به بل بقدر ما قد يقوده تدهور الأوضاع الأمنية في لبنان إلى إضطرار النازحين السوريين الموجودين فيه بفعل الحرب السورية إلى مغادرته، ليس عودة إلى ديارهم بل بحثا عن ملاذات آمنة في أوروبا وأميركا ما يعني تصدير الأزمة السورية نحو الغرب مجددا، هذا الغرب الذي لم تلتئم جراحه بعد من مجموعة الهجمات الإرهابية التي نفذتها مجموعات من أصول عربية في أوروبا خلال السنتين الماضيتين.

كما وأن قوى الإقليم، لا سيما إيران من جهة والسعودية ومعها دول الخليج العربي من جهة ثانية، وإن كانت تتصارع فيما بينها على كثير من الملفات الساخنة في الإقليم من سوريا إلى العراق واليمن وصولا إلى البحرين، غير أنها متفقة على نحو يحمل الكثير من التواطؤ المضمر على تحييد لبنان عن صراعاتها وهو ما عبرت عنه المواقف المتلاحقة لكل من قادة هذه الدول في أعقاب إنتخاب الرئيس عون وإتصالات التأييد التي تلقاها رئيس البلاد والتي حملت جميعها دعوات التوفيق والقدرة على تثبيت الأمن والاستقرار والازدهار الداخلي.

المهم في كل ما حصل أن محطتي إنتخاب الرئيس والتكليف قد تمتا بسلاسة وأن الاستعدادات جارية على قدم وساق لانضاج طبخة التأليف بالمرونة والسرعة ذاتها، وما رفع سقوف المطالب التي ظهرت في مشاورات التأليف إلا محاولات من هذا الطرف أو ذاك لتحسين موقعه والاستحواذ إذا أمكن على حقائب وزارية، سيادية كانت أم خدماتية، يمكن صرفها وتوظيفها في الإعداد للانتخابات النيابية المقبلة وفي إستقطاب اصوات ناخبة من هنا او هناك تعزز رصيد القوى السياسية مع إقتراب موعد الاستحقاق النيابي الذي لا يقل شأنا عن الاستحقاق الرئاسي.

حتى إعداد البيان الوزاري فإنه بات من قبيل المؤكد أنه لن يجري الوقوف طويلا أمام صياغة مضامينه على غرار ما كان يحصل في استحقاقات سابقة لا سيما وأن كل طرف وجد في خطاب القسم، الذي من المرجح أن يكون الأساس الذي ستستند إليه صياغة البيان الوزاري للحكومة، مواقف تطمئنه في مسائل يرى أنها تنسجم مع سياق طروحاته وتحمل إجابات معقولة على بعض هواجسه السياسية.

%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%83%d9%88%d9%85%d8%a9

ولا يخفى أن الحكومة العتيدة المحكومة بضغط الوقت نظرا لاقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي النيابي ستعمد فورا إلى الشروع في البحث والعمل لانجاز ملفات ملحة ثلاثة وهي:

– إنجاز قانون جديد للانتخابات النيابية بديلا عن قانون الستين، ولعل مشروع القانون المختلط الاكثري والنسبي المقدم من الحزب التقدمي الإشتراكي والقوات اللبنانية والمستقبل يشكل الأساس الصالح للبحث لا سيما إذا ما أخذت بالاعتبار ملاحظات الرئيس نبيه بري بتوزيع المقاعد مناصفة بين طريقتي الاقتراع المذكورتين.

– إنجاز الموازنة العامة للدولة بعد مرور ما يزيد عن إحدى عشر سنة كان يجري فيها الانفاق العام في الدولة من دون موازنة بل استنادا إلى القاعدة الاثني عشرية التي وجدت أساسا لمعالجة التأخر في إعداد موازنة عامة لفترة زمنية قصيرة وليس لأكثر من عقد من الزمن.

– شروع الحكومة في تلبية مطالب اللبنانيين المتراكمة والتي ليس أقلها إيجاد حل جذري لمشكلة النفايات ولازمة الكهرباء ومياه الشرب وسائر البنى التحتية التي تضررت كثيرا في السنوات الأخيرة نتيجة إنخفاض معدل النفقات الاستثمارية لعدم وجود موازنة عامة.

إن هذه العناوين الثلاثة إذا ما جرى العمل الجاد عليها من قبل الحكومة كفيلة باستعادة الثقة المفقودة بالدولة ومؤسساتها تدريجيا، أما من دون ذلك فان الزخم الكبير الذي أتى به العهد ستنتهي مفاعيله بسرعة وسيعود اللبنانيون مجددا إلى مربع الاحباط وفقدان الأمل.

لكن ما يمكن أن يشكل بارقة أمل في إمكانية نجاح العهد الجديد هو أن الرئيس عون يحمل تصورا اصلاحيا رسم خطاب القسم بعض ملامحه، ناهيك عن أن التجربة الرئاسية سيسعى الرئيس لأن يوفر لها كل مقومات النجاح بحيث يختم حياته السياسية الطويلة ببصمة سيتركها في مسيرة الجمهورية تشبه أو تستنسخ تجربة الرئيس فؤاد شهاب الاصلاحية، كما وأن للرئيس الحريري الطموح ذاته بعد مغادرته السلطة قبل أكثر من ست سنوات، وها هو يعود اليوم وأمامه التحدي بضرورة النجاح وإستعادة ثقة اللبنانيين به وبمشروعه بما هو إمتداد لمشروع الرئيس رفيق الحريري على نحو ما يكرر دوما الرئيس المكلف.

aoun-hariri

إذن إنها الفرصة الأخيرة للعهد وللحكومة على السواء ورئيسا الجمهورية والحكومة محكومين بالتفاهم والتعاون والتنسيق كي لا تنسب إليهما معا مسؤولية الإخفاق في ورشة الإصلاح وإنقاذ البلاد على المستويات السياسية والمالية والاقتصادية.

فهل سينجحان في ذلك في ضوء توافق جميع القوى السياسية على التسهيل؟ سؤال تجيب عليه الأسابيع الاولى من إنطلاقة العهد والحكومة التي نأمل أن تحمل البشر للبنانيين جميعا مما يمكن لبنان من الخروج من دوامة الأزمة والنهوض مجددا لاستدراك ما فات والسعي للالتحاق بركب الأمم المستقرة والمتطورة.

(الأنباء)

اقرأ أيضاً بقلم ناجي مصطفى (الأنباء)

اعتماد النسبية… مدخل الى الاخلال بالتوازنات الداخلية في لحظة احتدام طائفي على مستوى الاقليم

بين موسكو وطهران: اختلاف استراتيجيات في سوريا… أم أكثر؟!

غياب المشروع العربي فتح قابليات القوى الاقليمية للتوسع والسيطرة

لماذا شيطنة قانون الستين وتقديس النسبية؟

سقوط تدمر بيد “داعش” يكشف زيف ادعاء نظام الاسد بقتال الارهاب!

حرب الفيتوات المتقابلة تهدر فرص تأليف الحكومة وتعوق انطلاقة العهد!

وليد جنبلاط المسكون بهاجس التاريخ… قلق من لعبة الأمم!

سيناريو إفتراضي لما بعد إنتخاب عون!

بعد تجاوز قطوع ترشيح عون… ماذا عن التكليف والتأليف؟!

الاستحقاق الرئاسي: بين سلة بري واستعجال عون!

الاستحقاق الرئاسي: بين ارتباك المستقبل ومناورات حزب الله!

عام على التدخل الروسي في سوريا: اي حصيلة واي نتائج؟

سوريا: قوى تتقدم وأخرى تنكفىء وأشلاء وطن تنزف دما وهجرة!

وليد جنبلاط داعية الوحدة في زمن الانقسام الطائفي والمذهبي

بعد ثورات الربيع… أليس لهذا الليل العربي من أخر؟!

عن الميثاقية المظلومة… ما لها وما عليها!

مستقبل سوريا: اخر محاولات للتسوية والا التقسيم

في ذكرى مصالحة الجبل: تأكيد الاصرار على العيش الواحد

لبنان في ثلاجة الانتظار… الى متى؟

زيارة وليد جنبلاط الى الصرح البطريركي… اي ابعاد؟