التشكيلة الحكومية والنقاط والدوائر

د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

الخيارات امام الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة؛ محدودة، والفرص امام الافرقاء السياسيين على الساحة اللبنانية معروفة ومحدودة ايضاً. والاعتبارات التي حَكَمَت مرحلة ما قبل إنتخاب الرئيس ميشال عون؛ هي ذاتها التي تحكُم مرحلة تشكيل الحكومة، فالدوائر المعنية بإتخاذ القرار معروفة، والشخصيات التي تعمل على تسجيل النقاط في المرمى معروفة ايضاً، وليس في نية – او مصلحة – القوى التي تُشكِّل استقطابات دائرية ان تُعرقِل، كما ان تسجيل النقاط لن يذهب بعيد الى درجة التعطيل، والصورة في جلسة إنتخاب الرئيس كانت واضحة، بحيث لم تمرَّ من دون نتوآت وتسجيل مواقف، ولكن احد لم يُفكِّر بتعطيلها عن طريق إفقادها النصاب، وهذا الامر كان مُتاحاً كما هو معروف.

حكومة الرئيس سعد الحريري المُنتظرة؛ محكومة بسقف زمني مُحدَّد، وبمهام سياسية مُحدَّدة، ذلك انها مدعوة لإنتاج قانون للإنتخابات مع المجلس النيابي، واجراء هذه الانتخابات في الربيع القادم بعد دورة كاملة من التمديد القسري للمجلس، وبطبيعة الحال ستستقيل هذه الحكومة بعد الانتخابات لتأتي بعدها حكومة تُمثِل التركيبة النيابية الجديدة التي ستنتُج عن الانتخابات العتيدة.

تتحدث اوساط نافذة ومتابعة لما يجري عن تشكيلة حكومية حريرية تعتمد على القاعدة ” الإثنينية ” لتوزيع وزراء حكومة من 24 وزيراً، قبل موعِد توزيع الحقائب. اي اعطاء كل من القوى الاساسية وزارتين. وبمعنى اوضح: وزارتين لرئيس الجمهورية، ووزارتين للتيار الوطني الحر، ووزارتين للقوات اللبنانية ووزارتين للكتائب ( اذا ما قرروا المشاركة في الحكومة) ووزارتين للرئيس نبيه بري، ووزارتين للنائب وليد جنبلاط، ووزارتين لحزب الله ووزارتين للرئيس سعد الحريري، والحقائب الأُخرى توزَّع على القوى المُستقلَّة التي تدور في فلك العهد الجديد ومن الشخصيات التقليدية، لا سيما من طرابلس وزحلة وبيروت.

اما نوعية الحقائب فستتحكَم فيها الاعتبارات الطائفية، إضافة للطموح الواضح الذي يبدية رئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع لتولِّي حقيبة سيادية تجعل منه شريكاً قوياً في الحكم، بعد فترة طويلة من المقاطعة، وهو مُتحمِّس لاخذ موقع الداعم الاول للعهد، على اعتبار انه كان اول مَن استدار نحو الرئيس عون والانسحاب له من المعركة الرئاسية، وايضاً بسبب تأثيره على إستدارة الرئيس سعد الحريري (كما يقول القواتيون) نحو هذا الخيار ايضاً.

الاعتبارات التي ذكرناها؛ لا تعني ان ملف تأليف الحكومة سيمرُّ من دون صعوبات؛ فبعد اتفاق الطائف إُنيطت السلطة التنفيذية بكاملها بمجلس الوزراء مجتمعاً، وبالتالي فإن رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة؛ لا يمكن ان يكون لهم تأثير واسع في السلطة؛ إلا من خلال التمثيل في مجلس الوزراء. وتجربة الرئيس تمام سلام في الحكومة المنتهية؛ كانت غير موفَّقة على الإطلاق، برُغم الانجازات التي تحققت في عهده، وهو استطاع ان يُمرِّر المرحلة القاسية من الفراغ؛ بأقلِ اضرارٍ ممكنة، ولكنه كان الحلقة الاضعف في تركيبة الحكومة، بحيث بدى انه ليس صاحب القرار في الشؤون الخارجية وفي بعض الشؤون الداخلية؛ حتى انه ليس صاحب سلطة مُطلقة في وضع جدول الاعمال، ولا في تحديد موعد الجلسات الحكومية التي كانت تخضع لمشاورات مُسبقة كما هو معروف. لعلَّى سبب ذلك ليس بإخفاق سلام في إدارة الحكومة، ولكن بالإشكالية التي خلقها النص الدستوري الذي يقول: عند غياب رئيس الجمهورية تُناط صلاحياته بمجلس الوزراء مجتمعاً.

القوى السياسية التي ستتألف منها الحكومة الجديدة ادركت خسارتها السياسية والمعنوية من خلال الأخطاء التي اصابت المرحلة الماضية، ولاسيما منها القوى التي إنتهجت اسلوب التعطيل، وهذا يعني ان هذه القوى – ومنها فريق رئيس الجمهورية – ستنكبُّ على تغيير صورتها التعطيلية بسرعةٍ قياسية في المرحلة القادمة، مما يُبشِّرُ بفترة تعاون موعودة. لكن هذا الامر محكومٌ بعدم استفزاز او إحراج الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط من جديد.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

التوازن السياسي في لبنان

قراءة مختلفة لأحداث الأسبوع اللبناني الطويل

انفلات التخاطب السياسي في لبنان: أسبابه ونتائجه

هل هناك ما هو أبعد من تمثيل نواب «سنة 8 آذار» في الحكومة؟

الرأي العام اللبناني لا يريد التصعيد السياسي

هل انقلبت صفحة التفاؤل.. أم أن التعقيدات غيمة خريف وستنجلي؟

استحقاقات لبنانية داهمة

عن نظرية عدم حصرية تمثيل الطوائف في الحكومة

عن خطورة وخلفيات ما حصل في المطار

لقاء بكركي الذي حرّك السواكن الحكومية

ماذا تقول أوساط معارضة عن الأحجام السياسية؟

مصالح لبنان في سورية ومصالح سورية في لبنان

مواقف في خطاب عيد الجيش

ما مبررات مواقف «الاشتراكي» و«القوات» من تشكيل الحكومة؟

عن الانعكاسات الخطيرة لتوقف القروض السكنية

عن إشكالية حصة الرئيس الوزارية

عوامل التفاؤل والتشاؤم

مرحلة ما بعد الانتخابات والأحلاف السياسية

عن الآثار السياسية لاستبعاد النائب أنطوان سعد

لبنان: الحسابات السياسية تختلف عن الحسابات المالية