بري والحريري و “الجهاد الأكبر”

د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

برُغم موقفهِ المُعلن والمعارض للطريقة التي حصلت فيها عملية التحضير لإنتخاب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية؛ لكن الرئيس نبيه بري اعترف بالعملية قبل حصولها،  وكان مُسهلاً لها، وسلَّم بنتائجها، بما في ذلك التسليم بحصيلة جزء من السلَّة التي وضعها الوزير جبران باسيل ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري نادر الحريري، والتي اثارت بري اكثر من غيرها من الخطوات، لأنها جاءت بغفلةٍ عنه، رغم انه تحدث عما يُشبهها على طاولة الحوار التي كانت تُعقد بضيافته في عين التينة.

يرى الرئيس بري ان ” الجهاد الاكبر ” هو العمل الذي ينتظر القوى السياسية بعد إنتخاب الرئيس، وهو يعني عملية  تشكيل الحكومة، وتأليف البيان الوزاري، ونيل الثقة، ومن ثُمَّ الإنكباب على إنتاج قانون للانتخابات التشريعية التي ستجري حُكماً في الربيع القادم، بعد ان حصل التمديد لمجلس النواب لدورة كاملة، من دون ان يكون هناك مُبرِرات قاهرة، على ما جرت عليه العادة في مثل هذه الحالات التي تقتضي التمديد.

بطبيعة الحال؛ فإن  القسط الاكبر من ” الجهاد الاكبر ” ستتحمله الحكومة، اي ان العبىء سيكون مُلقى على عاتق الرئيس سعد الحريري، الذي اصبح من شبه المؤكد تكليفه بتشكيل الحكومة العتيدة، استناداً الى المواقف المُعلنة لعدد من القوى النيابية الوازنة، ومنهم كتلة حزب الله التي تضم 13 نائباً.

الرئيس نبيه بري ضرورة حيوية للحكومة الجديدة، بصرف النظر عن مواقف كتلته النيابية من الانتخابات الرئاسية، ذلك ان الملفات ” الجهادية ” المُنتظرة تحتاج لدوره كرئيس لمجلس النواب، ولغطائه السياسي كرئيس لحركة امل التي تتمتع بنفوذ واسع على الساحة الشيعية، ومطلب مشاركة الرئيس بري في الحكومة يكاد يكون مطلب عربي ووطني، اكثر مما هو حاجة للرئيس بري، برغم اهمية هذه الحاجة، لكون جمهور حركة امل إعتاد على ان يكون له حصة وازنة في السلطة منذ ما يناهز 30 سنة.

ان حكومة جديدة من دون مشاركة حركة امل تُشكِّل عبىءً كبيراً على الرئيس سعد الحريري، بل انها مغامرة لا يمكن معرفة نتائجها السياسية عليه، ولا نتائجها الاقتصادية على البلاد. وفي حال عدم مشاركة بري؛ يعني ان الوزراء الشيعة سيكونوا حُكماً من نصيب حزب الله. لأن الحزب لا يقبل بأي حال من الاحوال بحكومة تكنوقراط يغلُب عليها طابع الوزراء الاختصاصيين، والذين لا ينتمون لأحزاب سياسية، حيث بهذه الحال- اي بوضعية حكومة التكنوقراط –  يمكن إدخال وزراء شيعة محايدين في الحكومة.

فرضية عدم وجود الرئيس بري في الحكومة وإستفراد حزب الله بالتمثيل الشيعي؛ يعني حصاراً سياسياً واقتصادياً عربياً ودولياً على الحكومة، وهذا الامر ليس استنتاجاً مبالغاً فيه، بل انه واقعة سياسية مؤكدة من جراء مواقف عدد من الدول العربية المُعلنة ضد الحزب، وعلى اعتبار ان الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الاميركية يفرضان عقوبات متنوعة على الحزب وعلى عدد من المُنتسبين اليه، مما سيُعيق من مسار العلاقة بين الحكومة الجديدة وهذه الجهات.

الهئيات الاقتصادية طالبت العهد الجديد بالإنفتاح على دول الخليج، لأن ذلك وحده كفيل بمساعدة الاقتصاد اللبناني المُنهك من جراء الاضطرابات والفراغ.

مطالبة القطاعات الاقتصادية تبقى غير ذي جدوى اذا لم يكن هناك شريك شيعي معتدل للرئيس سعد الحريري في الحكومة. واداء الرئيس بري خلال الحقبة الماضية؛ كان مقبولاً على المستوى العربي والدولي، ولعِب دوراً توفيقياً في اكثر من محطة مفصلية، وهذا الدور يحتاجه العهد الجديد برئيسه وحكومته، ويكاد يكون معبراً إلزامياً لنجاح التشكيلة الحكومية.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

التوازن السياسي في لبنان

قراءة مختلفة لأحداث الأسبوع اللبناني الطويل

انفلات التخاطب السياسي في لبنان: أسبابه ونتائجه

هل هناك ما هو أبعد من تمثيل نواب «سنة 8 آذار» في الحكومة؟

الرأي العام اللبناني لا يريد التصعيد السياسي

هل انقلبت صفحة التفاؤل.. أم أن التعقيدات غيمة خريف وستنجلي؟

استحقاقات لبنانية داهمة

عن نظرية عدم حصرية تمثيل الطوائف في الحكومة

عن خطورة وخلفيات ما حصل في المطار

لقاء بكركي الذي حرّك السواكن الحكومية

ماذا تقول أوساط معارضة عن الأحجام السياسية؟

مصالح لبنان في سورية ومصالح سورية في لبنان

مواقف في خطاب عيد الجيش

ما مبررات مواقف «الاشتراكي» و«القوات» من تشكيل الحكومة؟

عن الانعكاسات الخطيرة لتوقف القروض السكنية

عن إشكالية حصة الرئيس الوزارية

عوامل التفاؤل والتشاؤم

مرحلة ما بعد الانتخابات والأحلاف السياسية

عن الآثار السياسية لاستبعاد النائب أنطوان سعد

لبنان: الحسابات السياسية تختلف عن الحسابات المالية