تشدو البلابل على وقع صيحاتها!

عبدالله ملاعب

أنباء الشباب

إنهمري يا دموع التّيتم على خدٍ رقيقٍ كوى الدهر عليه أشواكاً مزقته.

إنهمري يا دموع التفكك وأعكسِ وباء الذعر المنتشر بين أوردةٍ يانعةٍ قست الايام عليها باكراً، فشرذمتها، شوّهتها، شرنقتها.

في بوتقةٍ من أشلاء قتلت بملء العين، أحبستها.

فأطفال الحروب العربية، معزوفة دمويّة لا بل أوركسترا عالمية تميّزت بطبول القصف وشجن الغارات ورجفة وتر العود الذي أخذ على عاتقه الاستقالة تاركاً المدن تنعى من بناها وتنأى عن تحقيق أحلام الطفولة في ظل وابلٍ من الانكسار.

عليه يا أمة الموت، ألم يحن الوقت لإيقاذ إنسانيتنا الراقدة على شواطئ الذل؟ أم أن قلوبنا تستأذن نفسها كلما علت آهات الاطفال وصيحات التألم؟

ينام على صوت مدفعية تفتك بأزقةٍ بائسة دابلة يمكث بها وأهله لعلها تقيهم شرّ قلوب المقاتلين. يصحى فيشكر ربّه ألف مرةٍ ويركض مسرعاً ليتفقد نبتة زرعها على عتبة الدار فتأقلمت وأزهرت بين قنابل إفترشت الارض، وتحت صواريخ أنزلت جبراً على رؤوس الطفل وأهله. هو، الطفل العربي. طفلٌ ما ذاقى يوماً طعم المرح ولا عاش يوماً طفولته. فالوطن في غربة تكاد أن تكون أبدية. أما الغربة تتأرجح بين الحلم والكابوس.

ولكن، إن أبعدتنا أفكارنا بضعة كيلومترات نرى أطفالاً ينعمون بحياة بهيّة تمام كالطفولة. أطفالٌ جعلوا من بيوتهم مدناً للفرح في ظل ألعاب بتقنيات عالية تماماً كالتقنيات التي تستخدم لقتل العرب وذبح الطفولة. ولسخرية القدر، يبكون ليالٍ في حال الابتعاد عن الـipad””، أم الطفل العربي يبكي ليالٍ من البرد المتغلغل بين أضلعه الرقيقة النحيفة.

عذراً يا أجنحة الطفولة المتكسرة، عذراً ففي عصرنا هذا بات مشهد سحب الاطفال من تحت الركام ،مشهد عادي إعتيادي لا يثير غضب المرء ولا سخطه قط! عذراً يا ملائكة السماء، ضمائر العالم كصخرة ودموعه تفوقت على دموع التماسيح فالمشاعر ما تأججت بعد.

إيلان يا شمعة ذابلة على شواطئ العالم المتفرج. يا فراشة إسترخت بإنتظار أمواج البحر لتحررها من قفص مظلمٍ يضيق بها مع كل غارة جوية. طيفك يا سفير أطفال العرب إلى الخلد، لا يزال يعبق مع عطرك في أزقتنا وبين ربوع أيامنا. أما أنت يا عمران، فصورتك وانت صامت في قافلة الاسعاف، ستبقى تلاحق مقاتلي أحلام الأطفال وترافقهم أينما ذهبوا وكلما صوبوا مدافعهم على قراكم.

بسكوتك قد ألقيت خطاباً لاذعاً مطولاً بحق المجتمع الدولي ودفاعاً عن الانسانية. اعلم بأن طعم الدم الذي استحوذ على وجهك لم يكن لذيذاً ولا يشبه طعم الشوكولا. لكنه مبجولٌ بعنفوانك الذي أسكت عالم المكر وأرعب الميليشيات التي فشلت بذبحك وبالقضاء على طفولتك التي ما عشتها بعد.

نعم، حلبات الموت الدموية التي إنتشرت آنذاك في العصور البائدة لا تزال تجدد نفسها بشخصيات جدد وبأوطاننا! ولا يزال الجمهور يبتهج ويسكب لنفسه كأس الخمر ويصفق على وقع المذابح والابادات التي تطال الشعوب العربية.

إضطرابات محت السلام من القاموس العربي وألبست امهات العرب أثواباً سوداء مرعبة، أما الطفولة، براعم وحيدة تتوه وتتساءل: أأنا ضيفة ثقيلة على هذه الحياة؟ أأنا خُلقت في زمنٍ لا يتقبل براءتي؟ أناملي الرقيقة بات من المتوجب عليه الاستفحال في البربرية وإتقان سفك الدماء؟ فيا أمة العرب والعالم، هل أعجبتكم مشاهد الاطفال وهم يصارعون الموت والدمية بيدهم؟ أم أعجبكم مشهد تسليح داعش للاطفال؟ سكوتكم يعني رضاكم عن مشهد من المشهدين.

وهنا، في ظل الاستسلام أمام الواقع المرير، يستوجب الأمر القيام بدراساتٍ معمّقة مفصّلة عن انسان القرن الواحد والعشرين! دراسات تؤكد فرضيتي بأن سكان اليوم ليسوا أُناس يتميزون بحسّ الانسانية بل فقط بشرٍ بعقولٍ تكنولوجية وقلوب خارج نطاق الخدمة!

(أنباء الشباب، الأنباء)