الشعب اللبناني والسياسيون

د. محمود صافي

في لبنان الشعب منقسم على نفسه على اختلاف طوائفه ومذاهبه وأحزابه التي تتشاحن مع بعضها البعض، دون رؤية تعطي الشعب حقّه في احترام الإرادة الوطنية تحت قواسم مشتركة بينها، والمناصب السيادية الثلاثة الأساسية موزّعة على أساس طائفي: فالكرسي الرئاسي الأوّل للماروني، والثاني للشيعي، والثالث للسنّي، أما المذاهب المتبقّية التي تمثّل الأقليات تمشي وراء هذا المثلّث الجبّار، غير آبهة بالذي يجري لأنه لا صوت يعلو فوق صوت المثلّث.

هل تدبّ في نفوسهم المحبّة والمصداقية للعمل حتّى تحسن النوايا، وتستقرّ النفوس؟ هل هذا المثلّث ينشد الديمقراطية؟ ويهمّ المرشّحين في النزول إلى مجلس النواب لصيانة لبنان بانتخاب رئيس للجمهورية، هذا العمل هو نواة العطاء الذي ينشده الشعب على مذبح الإخلاص لتكريس مفاهيم النهوض بمكوّنات الدولة لفتح الطريق أمام الناس للسير في رحاب النور الساطع، في تطبيق الدستور والقوانين، وتُزال العتمة المظلمة من نفوس الكبار، وتجمع التشرذم الشعبي ليعود إلى أكناف الدولة، وتقضي على الحرمان والكبت، وعندما تقترن المحبّة والإخلاص بالعدالة تغدو قبسًا من الحرّية والإخاء والسلام.

يا سياسيي وطني! الثورات في التاريخ نجمت عن الجوع الفكري والروحي قبل جوع البطون. كفانا تقييدًا وكبتًا، فاعلموا أنَّ الشعب الذي لا يتنشّق هواء الحرّية بملء رئتيه يختنق، ضحّوا لبعضكم البعض، وتنازلوا عن عشق داءكم السياسي، ضحّوا ليس هناك أجمل وأنبل وأشجع من الإنسان الذي يضحّي من أجل إحياء الشعب، من أجل تحقيق أماني الشعب، فسلاح الشعب الحرّ أمضى من كلّ سلاح، والأوطان لا تحيا طالما فرّقت شعوبها الإرادات الغريبة.

اعملوا من أجل التسوية، إن لم تستطيعوا تطبيق الديمقراطية، فالتسوية هي عشيقة الرجال المترفّعين عن الأنا، وإلى المؤمنين إذا كنتم تعرفون الإيمان الحقيقي، فلم نعش في لبنان في جحيم الطوائف والأنانيات والمذاهب على هذه الأرض الطيّبة، ولكن إذا كان البعض مقتنع بالفيدرالية على أنّها ستحلّ الأزمات، فلِم لا ننطلق بها لإحيائها في الطرح العلمي، فلتكن الفيدرالية نظام الحكم، إذا كانت تطوّر مفاهيم الدولة، وتُرضي الجميع، وأقول ما الفائدة من الصراع واللفّ والدوران والشطارة والتذاكي؟ نعم لتتفجّر عندكم الأحلام لا الأحقاد، نحن في هذا الوطن نقول بكلّ جرأة وصراحة علينا إبداء الآراء المعمّقة للوصول إلى هيكلة كلّ الرئاسيات والإدارات، فليجلس السياسيون على طاولة الحوار الشامخة برجالها، وليكن الحوار لمرّة واحدة حوار الشجعان، ولتُطرح الأفكار المدروسة من كلّ المشاركين على الطاولة للوصول إلى صيغة مقبولة من الجميع لتطوير الأنظمة من أجل المستقبل، وإعطاء كلّ فريق سياسي حقّه في إدارات الدولة بحسب النصوص الدستورية.

وليتساوى اللبناني مع أخيه اللبناني في الحقوق والواجبات، ويغدو الشعب نموذجًا في التعايش، وينصهر في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتتشابك الأيدي في سبيل رفعة الوطن وصون حدوده، ويصبح الرأي السياسي محكًّا مشروعًا لمصالح الناس في المجتمع والدولة، عندها يؤسّس الإنسان ويصبح مواطنًا له الحقّ بالتعبير الديمقراطي والمنافسة الواعية والعادلة لتوفير أفضل الشروط لنمو الشخصية الوطنية دون تناحر مؤذ، بل بروحية عالية دون عنف أو إكراه.

 وأخيرًا لا ميزة لإنسان على أخيه الإنسان في لبنان إلاّ ميزة المعرفة والنشاط والإخلاص للوطن.