بوتين والقياصرة والسوفيات: ثوابت الجيوبوليتيك الروسي

رفيق خوري (الأنوار)

هاجس الرئيس فلاديمير بوتين هو كيف تكون روسيا قوية وتمارس الحق في القوة. وهذا حجر الأساس في الجيوبوليتيك الروسي: من أيام القياصرة الى أيام السوفيات وصولاً الى ما بعد أكبر كارثة جيوبوليتيكية في القرن العشرين هي سقوط الاتحاد السوفياتي، حسب بوتين. ومن خداع النفس وقوف قوى أساسية في أميركا وأوروبا والمنطقة عند القراءات الضيّقة في الدور الروسي على المسرح السوري. فهو فصل في كتاب الجيوبوليتيك الروسي. ولا يبدّل في الأمر اختلاف الرهانات على نجاح كامل للدور أو على الخسارة وتكرار الوقوع في المستنقع الافغاني.
وليس أمراً قليل الدلالات والاشارات ان يستعيد بوتين في افتتاح مجلس الدوما ما قاله رئيس الوزراء أيام القياصرة بيوتر ستوليبين في افتتاح الدوما قبل مئة عام: يجب أن تتضافر الجهود وان ننسق التزاماتنا وحقوقنا لدعم حق روسيا التاريخي الأعلى، وهو حقها في أن تكون قوية. فقبل ثلاثة أعوام استعاد وزير الخارجية سيرغي لافروف قول وزير الخارجية في منتصف القرن التاسع عشر الأمير ألكسندر غورتشاكوف ان روسيا ليست عابسة بل تعيد تشكيل نفسها، لكي يذكّر بأن ديبلوماسية الأمير أعادت النفوذ الروسي الى أوروبا بعد الهزيمة في حرب القرم عام ١٨٥٠، وأكثر ما أثار بوتين هو اصرار الأميركيين على القول ان الحرب الباردة لم تنته، بل تمّ ربحها والرابح أميركا التي رأى انها ستعيد هيكلة العالم بما يخدم مصالحها وحدها.

ومن هنا كان هاجس بوتين تحدّي الواقع الجديد وتغييره بفرض المشاركة على أميركا. كيف؟ بما سمّاه رئيس تحرير روسيا في قضايا كونية فيودور لوكيانوف في مقال نشرته فورين أفيرز، تبني الكرملين النموذج السوفياتي: التحدّي المباشر للغرب. والسبب ان روسيا في أزمة هوية بالنسبة الى دورها في العالم، إذ هي لم تندمج تماماً في النظام الليبرالي، ولم تبن بديلها الخاص.
لكن التحدّي المباشر الذي نجح حتى الآن في جورجيا وأوكرانيا وسوريا لن تكتمل ثماره من دون شراكة مع أميركا على قدم المساواة. وهذا ما لم يتحقق بعد. فالرئيس باراك أوباما فاوض بوتين ودفع وزير خارجيته الى توقيع اتفاق كيري – لافروف حول سوريا من دون اعطاء روسيا صفقة في أوكرانيا والاعتراف بها قوة عظمى. لكنه اصطدم بالاعتراض على الافغان في البنتاغون وأجهزة الاستخبارات، وذهب الى تعليق الحوار مع موسكو.
ومهما يكن الفائز في الانتخابات الرئاسية الأميركية، فسوف يكون متشدداً على يمين أوباما. ومن الصعب أن يحقق بوتين كل ما يريد حتى في سوريا قبل رحيل أوباما الذي صار بطة عرجاء.

اقرأ أيضاً بقلم رفيق خوري (الأنوار)

أزمة حكم أعمق من الطابع الدستوري

صراع المصالح والعصبيات في نظام فيتوقراطي

أي ترجمة عملية لانتصارات بوتين؟

صراع ما بعد الحرب على داعش

حكومة هندسات سياسية وديمقراطية ممرات الزامية

تقاسم الخارطة السورية ومحاربة داعش بالتفاهم

واشنطن وطهران والرياض: أي موقع للبنان؟

أميركا والعالم: مخاطر ما بعد الانتخابات

فصل رئاسي في محنة أميركا

تحديات تحييد لبنان: أين ناصر عون؟

لبنان والمنطقة: معارك في حرب واحدة

شطرنج بوتين وأوباما: أي خيار في حلب؟

لقاء مضطرين لا تفاهم حلفاء

حسابات معركة الموصل: هل انتهت وظيفة داعش؟

كلفة تخطي بوتين للقياصرة والسوفيات

الخلاف الأميركي – الروسي هو الوجه الآخر للاتفاق

خريف الأمم المتحدة: التفرّج على الجحيم

أوهام رهانين ثابتين في متغيرات سوريا

اتفاق كيري – لافروف ل تنظيم الحرب

قمة الشيزوفرينيا السياسية: خطر الفراغ وخطر اللافعل