عام على التدخل الروسي في سوريا: اي حصيلة واي نتائج؟

ناجي مصطفى (الأنباء)

سنة مضت على التدخل العسكري الروسي في سوريا.في ميزان الارباح والخسائر لا تبدو موسكو انها حققت كل ما ارادت منه جراء تدخلها الفظ والعنيف، الحقيقة الوحيدة الثابتة انها استطاعت اطالة عمر النظام المتهالك سنة اضافية بعد ان كان قد اوشك على السقوط لا سيما مع وصول الثوار الصيف الماضي الى مشارف العاصمة دمشق وبلوغهم في مناطق الساحل السوري ابواب معاقل النظام وبيئته في اللاذقية واريافها وفي القرداحة مسقط رأس آل الاسد، لكن السؤال يبقى بأي كلفة كان هذا الانجاز وما هو انعكاس ذلك على الاقتصاد الروسي الذي يئن تحت وطأة ضغوط العقوبات الغربية عليه واستمرار ازمة اسواق النفط والغاز؟

لا شك ان لروسيا مجموعة من الاهداف سعت الى تحقيقها من خلال تدخلها العسكري في سوريا، اولها ضمان بقائها في قاعدة طرطوس البحرية التي كان قد منحها اياها حافظ الاسد في زمن الاتحاد السوفياتي، مع ما يعنيه ذلك من احتفاظها بالمنفذ الوحيد لها على المياه الدافئة عند الضفة الشرقية للبحر المتوسط، أما ثاني هذه الاهداف، وهو الأهم، العودة بقوة الى المسرح الدولي ومحاولة إحياء نظام الثنائية القطبية الذي كان قائما قبل نحو ربع قرن من الآن يوم كانت تتقاسم وواشنطن النفوذ في السيطرة على العالم قبل الانهيار المريع للاتحاد السوفياتي ودول المعسكر الاشتراكي الدائرة في فلكه.

لا شك ان قيصر روسيا الحديثة الرئيس فلاديمير بوتين يحن الى تلك المرحلة من التاريخ، لا سيما وانه خبرها عن قرب يوم كان ظابطاً في العمليات الخارجية لجهاز الاستخبارات السوفياتية الـ “كي جي بي”. لقد تلمس بوتين بحسه الامني تردد الادارة الاميركية وضعفها وارتباكها في التعاطي مع ملف الازمة السورية، وهو ما بدا واضحا من خلال تراجع الرئيس الاميركي عن توجيه ضربة قاصمة الى النظام غداة ارتكابه مجزرة قصف المناطق السكنية في الغوطة وداريا بالاسلحة الكيماوية عام 2013، لذلك فهو سارع الى الزج بقواته الجوية في المعركة دون ان يخشى موقفا اعتراضيا من واشنطن، وهو ما احدث فارقا نوعياً في الميدان مكن النظام مجددا من استعادة السيطرة على جزء كبير من المناطق التي كان قد خسرها في الساحل وتغيير المعادلة العسكرية في الغوطتين مما ابعد خطر سقوط العاصمة دمشق بيد الثوار.

لكن السؤال الاساسي ماذا بعد؟وهل لدى موسكو، في ظل الاوضاع الاقتصادية التي تعيشها ،القدرة على المضي في الحرب السورية لا سيما في ضوء استمرار العقوبات الغربية عليها بعد اجتياحها لمنطقة القرم في اوكرانيا وكذلك في ضوء استمرار ازمة انخفاض اسعار النفط والغاز التي تشكل احد المصادر المهمة الرافدة للاقتصاد الروسي؟

من الواضح ان الانخراط الروسي في الصراع الدائر في سوريا قد عمق مأزق موسكو اكثر من اي وقت مضى، ذلك ان استخدامها المفرط للقوة عبر غاراتها الجوية على الاحياء السكنية في حلب انتصارا لنظام مجرم قد اساء الى صورتها في العالم العربي والاسلامي على نحو كبير بعد ان كان ينظر اليها في السابق على انها صديقة للعرب في صراعهم المحق والعادل ضد الكيان الصهيوني المغتصب لفلسطين، لا بل ان هذا التدخل زاد من مخاطر لجوء اسلاميين من روسيا ومن دول الحزام الاسيوي الاسلامي المحيط بها الى شن عمليات ضد المصالح الحيوية الروسية وضمن حدود روسيا الاتحادية تحديدا انتقاما لضحايا المجازر التي ترتكبها قواتها في سوريا.

لقد كان يمكن لروسيا لو انها وقفت على الحياد من الازمة السورية ان تحافظ على مصالحها الحيوية في سوريا، لا بل ان تكون شريكة في صناعة مستقبلها عن طريق انخراطها في اعادة اعمارها بواسطة العقود التي كانت ستمنح لشركات روسية كما لغيرها من الشركات العالمية،خصوصا وان مواقف كانت قد صدرت عن بعض القيادات في المعارضة السورية حملت نوعا من الضمانات ازاء استمرار احتفاظ روسيا بقاعدتها البحرية في طرطوس واستعداد المعارضة في حال انتصارها ووصولها الى الحكم لتطوير العلاقات السياسية مع موسكو بما يكفل تحقيق مصالح البلدين اللذين تجمعهما مسيرة حافلة من التعاون على مدى عقود طويلة في شتى المجالات .

اليوم وبعد تلويح واشنطن باعادة النظر في اشكال تعاونها مع موسكو في ما خص الازمة السورية وذلك بعد اخفاق اتفاق الهدنة بين كيري ولافروف الذي تم التوصل اليه في “جنيف” قبل اسابيع ثلاثة، لا بل وتسريب بعض الدوائر المقربة منها عن احتمال تزويد قوى المعارضة السورية باسلحة مضادة للطائرات تطلق عن الكتف،خفت حدة الغارات الروسية على حلب وتراجعت على ما يبدو الاندفاعة الروسية المستعجلة لتغيير وقائع الميدان في الشمال السوري.

لقد ادركت موسكو مغزى الاشارات الاميركية من وراء التلويح بتزويد المعارضة باسلحة مضادة للطائرات لا سيما وانه لا يزال في الذاكرة الروسية القريبة مشهد تهاوي الحوامات السوفياتية بصواريخ الستريللا الاميركية التي زود بها البنتاغون المجاهدين الافغان، لا بل لا تزال في الذاكرة ايضا الدروس المستفادة من الحرب الاميركية في العراق التي كلفت الولايات المتحدة نحو تريليون دولار عدا عن نحو خمسة آلاف جندي قتل واضعاف هذا العدد من الجرحى، لتنتهي تلك الحرب المكلفة والمرهقة في ان الى تسليم العراق لإيران التي سيطرت عليه دون اي كلفة تذكر.
فهل ستستمر روسيا في السيناريو ذاته ليكون حصيلة جهدها الحربي استنزافا لاقتصادها ولجيشها من جهة ومزيدا من العداء لها من قبل العالمين العربي والاسلامي من جهة ثانية فيما من غير الاكيد او المضمون انها ستكون هي المستفيدة المباشرة من هذه الحرب على المديين المتوسط والطويل، لا سيما وان الوريث الايراني جاهز في كلا المثلين العراقي والسوري ربما!!

اقرأ أيضاً بقلم ناجي مصطفى (الأنباء)

اعتماد النسبية… مدخل الى الاخلال بالتوازنات الداخلية في لحظة احتدام طائفي على مستوى الاقليم

بين موسكو وطهران: اختلاف استراتيجيات في سوريا… أم أكثر؟!

غياب المشروع العربي فتح قابليات القوى الاقليمية للتوسع والسيطرة

لماذا شيطنة قانون الستين وتقديس النسبية؟

سقوط تدمر بيد “داعش” يكشف زيف ادعاء نظام الاسد بقتال الارهاب!

حرب الفيتوات المتقابلة تهدر فرص تأليف الحكومة وتعوق انطلاقة العهد!

وليد جنبلاط المسكون بهاجس التاريخ… قلق من لعبة الأمم!

بعد الانتخاب والتكليف ومساعي التأليف: حكومة الفرصة الأخيرة ما قبل الانهيار والفشل!

سيناريو إفتراضي لما بعد إنتخاب عون!

بعد تجاوز قطوع ترشيح عون… ماذا عن التكليف والتأليف؟!

الاستحقاق الرئاسي: بين سلة بري واستعجال عون!

الاستحقاق الرئاسي: بين ارتباك المستقبل ومناورات حزب الله!

سوريا: قوى تتقدم وأخرى تنكفىء وأشلاء وطن تنزف دما وهجرة!

وليد جنبلاط داعية الوحدة في زمن الانقسام الطائفي والمذهبي

بعد ثورات الربيع… أليس لهذا الليل العربي من أخر؟!

عن الميثاقية المظلومة… ما لها وما عليها!

مستقبل سوريا: اخر محاولات للتسوية والا التقسيم

في ذكرى مصالحة الجبل: تأكيد الاصرار على العيش الواحد

لبنان في ثلاجة الانتظار… الى متى؟

زيارة وليد جنبلاط الى الصرح البطريركي… اي ابعاد؟