عن جامع شكيب ارسلان في المختارة

د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

في العام 1814م أشَادَ الشيخ بشير جنبلاط احد كبار العائلة الجنبلاطية جامعاً في جوار قصرهِ في المختارة، كان يأمَّهُ المؤمنون من المواطنيين وكبارالضيوف المُسلمين، ثُمَ بنى لاحقاً في العام 1820م كنيسة سيدة الدرّ في مكانٍ قريب، كانت مقصداً للزوار من الرعايا الموارنة، وخصوصاً لأصدقاء العائلة؛ آل الخازن مشايخ كسروان.
في العام 1823م هُدم جزء من الجامع على ايدي قوات الامير بشير الشهابي بمساندة ابراهيم علي باشا المصري.
دارت الايام ادوارها المختلفة على لبنان، وعلى المختارة بالتحديد، وتبدَّلت الاوضاع بعد فتنة 1860 التي اسَّس لها التدخُّل الاجنبي، وقضى نظام المتصرفية الذي اقامه قناصل الدول الخمس الكبرى بالتعاون مع العثمانيين في ذلك العام؛ على نظام القائمقاميتين التابعتين بشكل غيرمباشر للولات العثمانيين، وتراجع لبنان الى اقضية الجبل، وكانت المختارة جزءً اساسياً من المعادلة الجديدة التي أضعفت الجميع لصالح الوصاية الاجنبية. وادارَ المتصرفية حاكم عثماني ” مسيحي ” من غير اللبنانيين.
استمرَّت المختارة في لعب دورٍ متقدِّم في الجبل ولكن من خلال المعادلة التقليدية التي رعتها الدولة العثمانية ومن ثُّمَ الاستعمار الفرنسي. وعادت المختارة في حقبة ما بعد الاستقلال في العام 1943 لتلعب دوراً يسارياً مُؤثراً بقيادة كمال جنبلاط(1917 – 1977) في غالبية النصف الثاني من القرن الماضي، وما لبثت ان تحوَّلت الى مكانٍ جامع للمصالحات التارخية بين ابناء الجبل بعد الويلات التي مرَّت عليه، وكان ابرزها مصالحة 4 آب/اغسطس 2001 التي رعاها البطريرك نصرالله صفير والزعيم وليد جنبلاط.
في 6 آب/ اغسطس 2016 دشَّن البطريرك بشارة الراعي كنيسة سيدة الدرّ التي اعاد ترميمها وليد جنبلاط بحضور حشد سياسي وديني، ضمَّ مختلف الاطياف والقوى اللبنانية.
في 18 ايلول/ سبتمبر 2016 افتتاح مسجد المختارة الذي اعاد بناءه جنبلاط ايضاً بحلَّةٍ جديدة. والمناسبة مرور ثلاثة أعوام على وفاة والدته السيدة مي ارسلان، حيث أطلِقَ اسم والدها الاميرشكيب ارسلان على الجامع المذكور. وحضور المناسبة حشد فيه نُخبة من رجال السياسة والدين والفكر والادب في لبنان.
الامير شكيب ارسلان ( 1869م – 1946م ) علمٌ من اعلام السياسة والادب والفكر في العالم العربي. عُرِف بثقافتهِ الاسلامية المُتنوِرة، وتركَ بصماتٍ واضحة على الصورة الناصعةِ للإسلام المُنفتح والراقي. تتلمذ على يد الامام محمد عبدو، ورافق ابرز مفكري النهضة العربية والسماحةِ الاسلامية، أمثال جمال الدين الافغاني وعبد الرحمن الكواكبي.
ترك شكيب ارسلان إرثاً ثقيلاً من الاعمال الفكرية والادبية في المجالات العربية والاسلامية في غالبية الاقطار العربية، وكان داعيةٌ مُتألِّق ضد الاستعمار في بلاد المغرب العربي، لهُ مآثر في ليبيا وتونس والمغرب، وهو عضو شرف في المُجمَّع العلمي العربي في دمشق، وكان لفترةٍ من الزمن عضواً في مجلس النواب في الحقبة العثمانية مُمثِلاً لجبل العرب في سوريا.
عُرِف عن شكيب ارسلان صداقته للملك فيصل، وكان عضواً في وفد السلام بين المملكة العربية السعودية واليمن، إضافةً الى علاقاته المُميزة مع الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة ومفتي القدس السابق الحاج امين الحسيني، ومع رئيس وزراء لبنان الاسبق رياض الصلح.
تَحمُل جَمعَة المختارة الواسعة داخل مسجد شكيب ارسلان دلالات كبيرة في هذا اليوم بالذات. فتُعتبرُ رسالة واضحة حول اهمية الفكر العربي والاسلامي المتنوِّر في هذا الوقت العصيب الذي تمرُّ به الأُمة؛ من جهة، وتأكيدٌ على اهمية الحفاظ على التنوُّع الذي يُغني الاسلام من جهةٍ ثانية، ومن جهة ثالثة تُشير الى اهمية الحفاظ على الوحدة الوطنية اللبنانية بكافةِ مكوناتها الاسلامية والمسيحية.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

التوازن السياسي في لبنان

قراءة مختلفة لأحداث الأسبوع اللبناني الطويل

انفلات التخاطب السياسي في لبنان: أسبابه ونتائجه

هل هناك ما هو أبعد من تمثيل نواب «سنة 8 آذار» في الحكومة؟

الرأي العام اللبناني لا يريد التصعيد السياسي

هل انقلبت صفحة التفاؤل.. أم أن التعقيدات غيمة خريف وستنجلي؟

استحقاقات لبنانية داهمة

عن نظرية عدم حصرية تمثيل الطوائف في الحكومة

عن خطورة وخلفيات ما حصل في المطار

لقاء بكركي الذي حرّك السواكن الحكومية

ماذا تقول أوساط معارضة عن الأحجام السياسية؟

مصالح لبنان في سورية ومصالح سورية في لبنان

مواقف في خطاب عيد الجيش

ما مبررات مواقف «الاشتراكي» و«القوات» من تشكيل الحكومة؟

عن الانعكاسات الخطيرة لتوقف القروض السكنية

عن إشكالية حصة الرئيس الوزارية

عوامل التفاؤل والتشاؤم

مرحلة ما بعد الانتخابات والأحلاف السياسية

عن الآثار السياسية لاستبعاد النائب أنطوان سعد

لبنان: الحسابات السياسية تختلف عن الحسابات المالية