ما وراء خطة إستهداف جنبلاط

وسام القاضي

لم تكن الإغتيالات السياسية الكبيرة يوما هدفا لتصفية الحسابات السابقة بقدر ما كانت لتمرير خارطة طرق جيوسياسية تنفذ دون عراقيل أوعقبات، فإغتيال كمال جنبلاط على يد النظام السوري لم يكن إنتقاما للدور الذي لعبه في السابق بل من أجل منعه من القيام بأي دور في المستقبل، وتحديدا بعد التفويض الأميركي بموافقة إسرائيلية وترحيب عربي للنظام السوري بإدارة الملف اللبناني بشقيه العسكري والأمني. هذا الملف الذي كان عنوانه السيطرة الشاملة والكاملة على لبنان ومن خلاله يتم فرط عقد الحركة الوطنية وتحالفها مع الثورة الفلسطينية والإمساك بالقرار الوطني الفلسطيني المستقل تمهيدا لبدء مفاوضات جنيف. إن هذا المشروع لم يكن ليمر لو بقي كمال جنبلاط على قيد الحياة.

وها هو التاريخ يعيد نفسه وإن كان بمضامين وأشكال مختلفة وفقا للتغييرات والتطورات الإقليمية والدولية، وما يحكى اليوم عن جدية التهديد الذي تلقاه رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط، ليس إنتقاما أيضا من الدور الذي لعبه منذ إغتيال الرئيس الحريري وإنطلاق ثورة الأرز، بل من أجل إبعاده عن الساحة السياسية لتمرير المشروع الذي يحاك للمنطقة بتقسيماتها الجديدة والتوزيع الديمغرافي الجديد والذي بدأت ملامحه تظهر في سوريا عبر عدة مؤشرات. إذ أنه ولأول مرة في التاريخ تشرع أبواب هجرة شعب، وهي هجرة النازحين من سوريا إلى شتى دول العالم، وهذا لم يحصل مع أي شعب آخر، وفتحت الأبواب أمام النازحين السوريين للإنخراط كليا في المجتمعات الأوروبية والاميركية، وما يجري من معارك عسكرية في سورية بين كر وفر، هو ترسيم حدود داخلية جديدة بين المناطق تكون مهيئة لنمط حكم جديد سوف يظهر تباعا.

إن كل كلام حول إسقاط مشروع الشرق الأوسط الجديد هو كلام فارغ ولا يرتبط بالواقع بأي صلة، فالأزمة السياسية في لبنان والعسكرية في سوريا وما يعيشه العراق اليوم من تباعد داخلي، يشير بوضوح على أن المتغيرات ستنعكس بظهور تقسيمات حدودية جديدة، أي بصريح العبارة، دولا ستزول ودولا ستظهر، والمخاض الذي يدور اليوم هو حول وضع الأكراد والعلاقة مع الأتراك، إضافة لمصير الأقليات، ومن تلك الأقليات طائفة الموحدين الدروز.

لم يكن للدروز يوما مشروعهم السياسي الديني، بل كان إنخراطهم التام في الدول المتواجدين فيها، لأن جذورهم بالأرض ثابتة عبر التاريخ، وقد جرت محاولات عديدة عبر مفاصل تاريخية من قبل دول خارجية منذ أيام الأمير فخر الدين المعني وصولا لسلطان باشا الأطرش لإقامة دويلة درزية وكانت تبلى بالفشل الذريع لأن الدروز أبعد ما يكون عن إنشاء دولة خاصة بهم، وما قام به وليد جنبلاط إبان حرب الجبل المشؤومة بإنشاء إدارة مدنية كان يستهدف تسهيل أمور الناس الحياتية في ظل غياب الدولة، ومن اجل قطع الطريق عن كل فكرة تتمحور حول التقسيم وإقامة كانتون درزي.

Untitled2

وكما هو ظاهر فإن تلك المخططات والمحاولات تعود من جديد وهذه المرة من بوابة النظام السوري الذي كما يبدو إرتضى حكم جزء من سوريا والذي ترسم حدوده الجغرافية حاليا، ولكي يشرع بشار الأسد نطاق حكمه عليه السير قدما في مشروع التفتيت والشرذمة تكون مبررا لوجود دولته، ومن الطبيعي أن تكون العقبة لهذا المشروع في لبنان وليد جنبلاط، الذي أثبت تمسكه بالتعايش والوحدة الوطنية، والذي لم يتخل يوما عن الحوار إطلاقا، ويصرح علنا في كل المواقع رفضه للعودة إلى الحرب، ورفضه لمشاريع التقسيم، وقد كان صمام الأمان لخط سير طائفة الموحدين الدروز على السكة العربية.

ومن الطبيعي أن تلاقي إسرائيل مخطط بشار الأسد بإستهداف وليد جنبلاط عبر التخطيط لإغتياله، وهي تريد تحويل أصابع الإتهام إلى حزب الله لخلق فتنة داخلية، ولكي تلعب على وتر العلاقة والتعاطف ما بين دروز لبنان ودروز فلسطين المحتلة.

إن الوضع الذي تمر به المنطقة في أخطر مراحله، والمشكلة الكبرى أن البعض من القوى السياسية اللبنانية لا يرى أبعد من أنفه، وبالتالي ينخرط بغبائه وقلة إدراكه في تنفيذ ما يخطط للمنطقة، وربما البعض الآخر يشارك عن سابق تصور وتصميم وذلك يتعلق بمدى إرتباطاته بمراكز القرار الخارجية. وإذا كان شعار التصدي للحرب هو بالصمود فإن الشعار اليوم هو بالتخفيف من الخلافات الداخلية لدرء ما يمكن من الأخطار.

(*) رئيس جمعية كمال جنبلاط الفكرية

اقرأ أيضاً بقلم وسام القاضي

كتاب مفتوح إلى السيد حسن نصرالله

ويبقى المقدم شريفاً في ذكراه السنوية

المرحلة الجديدة تتطلب تغييراً جذرياً بأسلوب العمل

عندما يرتقي التقدميون الإشتراكيون الى مستوى المرحلة

ما بين التوريث السياسي والوراثة الإقطاعية

زهرة على ضريح المعلم

قوة لبنان في حياده!

تقاطع المصالح والحسابات الخاصة

عودة الثنائيات وشد العصب!

الرقص على حافة الهاوية 

يوم الوفاء

وطن على شفير الهاوية

الجمعية العامة للحزب في ظل ما يحيط بالمنطقة من أجواء ملتهبة

الدور الوطني للحزب التقدمي الإشتراكي

التمثيل الصحيح بالعدل في حقوق المواطنين

النسبية قناع للنفوذ المذهبي المتشدد

تقسيم السلطة أخطر من تقسيم الوطن

أزمة النظام اللبناني بعد رفض المثالثة!

الإستقلال المكبَل بالإرتهان!

ذكرى ثورة فكرية في عصر التخلف والإنحدار