ماذا تضمنت مسودة الإتفاق الإميركية – الروسية حول سوريا؟

كشفت مسودة أميركية للاتفاق بين واشنطن وموسكو على التعاون العسكري في سورية، ضمان روسيا «إجبار النظام السوري على امتثاله وقف تحليق طيرانه والعمليات الهجومية في جميع أنحاء البلاد» وعدم قصف مناطق المعارضة بما فيها المناطق المتداخلة مع «جبهة فتح الشام» (جبهة النصرة سابقاً) بعد سبعة أيام من تنفيذ هدنة وإقامة منطقة منزوعة السلاح شمال حلب وطريق الكاستيلو وصولاً إلى وقف النار شامل في البلاد. وجدد مسؤول أميركي أمس التأكيد للمعارضة على عدم قبول «سقف أدنى من ذلك».

وقبل لقاء الرئيسين باراك أوباما وفلاديمير بوتين على هامش قمة العشرين في الصين، تضاربت الأنباء عن مدى الاقتراب من توقيع الاتفاق الذي اشتغل عليه عسكريون وديبلوماسيون وأمنيون من الطرفين في جنيف. وقال أوباما الأحد أن الجانبين «يعملان على مدار الساعة»، مؤكداً «أن هذه المسألة معقدة للغاية». وأفادت الخارجية الأميركية أن الاتفاق أصبح قريباً ويمكن أن يعلنه وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف. كما قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف: «نوشك على التوصل لاتفاق… لكن فن الديبلوماسية يتطلب وقتاً للتنفيذ. ما من سبب يدعونا أن نتوقع انهيار المحادثات». لكن مسؤولاً أميركياً تحدث لاحقاً عن «تراجع الروس عن بعض القضايا التي اعتقدنا أننا اتفقنا عليها، ولذلك سنعود إلى عواصمنا للتشاور». وأضاف أن كيري ولافروف سيلتقيان مجدداً اليوم على هامش قمة مجموعة العشرين في مدينة هانغتشو الصينية.

وصرح كيري «سنراجع بعض الأفكار الليلة (أمس)، بينها مسألتان صعبتان، وسنعود ونرى أين وصلنا»، متحدثاً عن أولويتين لضمان استمرار وقف إطلاق النار إحداهما الرد على انتهاكات النظام السوري وضبط «جبهة فتح الشام» لأن «النصرة» هي «القاعدة» ولا يمكن أن يخفي تغيير اسمها حقيقتها وما تحاول أن تفعله».

وأبلغ المبعوث الأميركي إلى سورية مايكل راتني الفصائل أمس أن كيري ولافروف لم يتوصلا في الصين الى اتفاق «لأننا لن نقبل اتفاقاً إلا إذا رعى المطالب الأساسية للمعارضة» الأمر الذي لم يوافق عليه الروس بعد. وأضاف ان واشنطن لن توافق على «سقف ادنى» من مسودة الاتفاق، اضافة الى ان العمليات العسكرية في الراموسة وفرض القوات النظامية الحصار مجدداً على الأحياء الشرقية امس ستؤثر في موقف واشنطن والمفاوضات.

وكان راتني بعث إلى «فصائل المعارضة السورية المسلحة» رسالة في أربع صفحات، تضمنت النقاط الرئيسية في الاتفاق حملت تاريخ الثالث من أيلول (سبتمبر). وبحسب المسودة، التي حصلت «الحياة» على نسخة منها، فان «الاتفاق الذي نقترب التوصل له مع روسيا يمكن أن يتم الإعلان عنه قريباً. وبعد محادثات طويلة مع الجانب الروسي، نعتقد بأن هذه الترتيبات يمكنها، إذا ما نفذت بحسن نية إعادة الهدنة ووقف الهجمات العشوائية من جانب النظام وروسيا على المدنيين والمعارضة، والحد في شكل كبير من العنف في سورية، وتمهيد الطريق لإعادة إطلاق عملية سياسية موثوقة». وتستند هذه المسودة إلى وثيقة سلمها كيري إلى الكرملين قبل أسابيع وخضعت لمفاوضات مكثفة في جنيف.

وإذ أشار إلى رسالة الفصائل المعارضة الأسبوع الماضي التي طالبت بوقف شامل للنار وضم جنوب غربي حلب وطريق الراموسة بالهدنة وعدم اقتصارها على شمال حلب وطريق الكاستيلو، قال راتني: «نحن على وشك التوصل إلى تفاهم مع الروس له القدرة على معالجة هذه المخاوف. تفاوضنا مع روسيا على هذا الاتفاق على أساس الساعات الطويلة من المدخلات التي تلقيناها من المعارضة. هذا الاتفاق يفترض أن يكون أقوى من اتفاق الهدنة الأصلية لأنه من المفترض أن يمنع روسيا والنظام من قصف المعارضة والمدنيين بذريعة ضرب جبهة النصرة»، في إشارة إلى اتفاق «وقف العمليات القتالية» في نهاية شباط (فبراير) الماضي.

لماذا الاتفاق؟

أفادت الرسالة أن «الجميع يقر بأنه للتوصل إلى حل في سورية، لا بد لنا من التحدث مع الروس. كان التعامل مع روسيا صعباً للغاية. إذ من الصعب جداً إجراء هذه المحادثات مع الروس حتى وهم يقتلون السوريين في شكل يومي. تسألنا المعارضة باستمرار: كيف يمكن لروسيا أن تظل راعية للعملية السياسية بينما تتصرف في الوقت نفسه كطرف أساسي في الصراع؟ ونحن نسأل أنفسنا هذا السؤال كل يوم. لكن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تتظاهر بعدم وجود روسيا ودعمها للنظام. كما لا يمكن لروسيا أن تتظاهر بعدم وجود الولايات المتحدة ودعمنا للمعارضة. وكلانا ليس لديه أي خبار سوى التعامل مع الآخر. وهذا يعني أن الولايات المتحدة وروسيا عليهما أن يعالجا مخاوف بعضهما البعض». وأشار راتني باسم الخارجية الأميركية إلى أن «عناصر قلقنا هي هجمات النظام المتواصلة على المعارضة، وهجماته الوحشية على المدنيين السوريين، وسوء نيته في تنفيذ هدنة شباط 2016، وإهماله للعملية السياسية. أما مصدر قلق روسيا- وقلقنا أيضاً- هو وجود الجماعات المتطرفة، وفرع تنظيم القاعدة في سورية، الذي يعرف الآن باسم جبهة فتح الشام».

ماهو الاتفاق الأميركي – الروسي؟

أجاب راتني على ذلك بالقول إن «الملامح الرئيسية للاتفاق هي أن تقوم روسيا بمنع طيران النظام من التحليق، وهذا يعني عدم حدوث قصف من قبل النظام في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بغض النظر من يتواجد فيها، بما في ذلك المناطق التي تتواجد فيها جبهة فتح الشام إلى جانب فصائل المعارضة الأخرى. وفي المقابل، نعرض على روسيا التنسيق من قبلنا في شأن إضعاف القاعدة في سورية، وهذا التنسيق سيتضمن تفاهماً يقضي بأنه لن تكون هناك عمليات قصف من قبل النظام ولا قصف عشوائي روسي». وأشار إلى أن «الشروط» الأميركية قبل تنفيذ هذا الاتفاق، مفادها «أننا قلنا للروس أن عليهم هم والنظام إنهاء الهجمات على المعارضة وإعادة التزام الهدنة. ووضعنا سقفاً عالياً من الشروط، بينها انسحاب النظام من طريق الكاستيلو وإنهاء القتال حول طريق الراموسة والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى حلب من خلال كل من طريقي الراموسة والكاستيلو وإنهاء الهجمات والعمليات الهجومية في جميع أنحاء البلاد، وقلنا أن كل هذه الأمور يجب أن تتم قبل أن تنفذ الولايات المتحدة وروسيا أي اتفاق».

في المقابل، أبلغ الروس الأميركيين أنهم «موافقون على القيام بكل هذه الأمور. ونعتقد بأنهم سيجبرون النظام على الامتثال، لكن علينا أن نختبر هذا الأمر، فكما قلنا في العديد من المرات، أن التفاهم مع روسيا لن يكون قائماً على الثقة». وأضافت الرسالة: «كنتيجة لذلك، سنقوم قريباً جداً بالدعوة إلى إعادة الالتزام بالهدنة في جميع أنحاء البلاد وسوف نحتاج تعاونكم معنا».

إجراءات هدنة حلب

وحض راتني الفصائل المعارضة على «أن تعيد الالتزام بالهدنة في وقت وتاريخ سيتم تحديدهما قريباً. وهذه الهدنة ستكون في جميع أنحاء البلاد. وستشمل كامل مدينة حلب، بما في ذلك طريق الراموسة، وجميع الجبهات. وهذا يعني أيضاً أننا نحتاج إلى ضمانات من المعارضة بأن لا تكون هناك عقبات أمام الوصول إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام في (غرب) مدينة حلب»، لافتاً إلى إجراءات أخرى مطلوبة، باعتبار أن الاتفاق يضمن «هدنة ووقفاً كاملاً للعمليات العسكرية من النظام والقوات الموالية للنظام والمعارضة في منطقة طريق الراموسة، وبعد بدء الهدنة، ستدخل المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة إلى مدينة حلب».

كما «سيتم إنشاء حاجزي تفتيش على طريق الكاستيلو لضمان حرية حركة المساعدات الإنسانية والمرور من وإلى مدينة حلب. تفاصيل هذين الحاجزين، ومن هي الجهة التي تتولى إدارتهما، ينبغي الاتفاق في شأنهما بيننا وبين روسيا وبيننا، ونتوقع أن نحتاج إلى تعاون الفصائل المسلحة في المنطقة لإقامة الحاجزين بصورة آمنة» على أن «يقوم النظام والقوات الموالية له بسحب قواتهم من طريق الكاستيلو. وسيصبح طريق الكاستيلو منطقة منزوعة السلاح».

المطلوب من النظام

أبلغ راتني المعارضة أن الإجراءات المطلوبة من النظام السوري، شملت «سحب الأسلحة الثقيلة مثل مركبات القتال المدرعة، ومركبات المشاة القتالية، والدبابات، والمدفعية، ومدفعية الهاون إلى مسافة 3500 متر شمال طريق الكاستيلو وسحب الرشاشات التي يحتاج تشغيلها أكثر من عنصر، وناقلات الجنود بي تي آر 60، والمركبات القتالية بي أم بي 1 من دون منصة صواريخ موجهة ضد الدروع، إلى مسافة 2500 متر شمال الطريق» إضافة إلى «سحب جميع الأفراد، ما عدا الأفراد الموجودين في نقطتي الرصد، إلى مسافة ألف متر شمال الطريق، وتقتصر أسلحتهم على الأسلحة الصغيرة أو الرشاشات الخفيفة». وفي الجانب الجنوبي من الطريق «يجب سحب جميع الأفراد، والأسلحة والمعدات إلى مسافة 500 متر من الطريق» قبل «إقامة ما يصل إلى نقطتي رصد على مسافة لا تقل عن 500 متر شمال طريق الكاستيلو مع كادر من الأفراد لا يتجاوز عددهم 15 فرداً مجهزين بأسلحة صغيرة فقط لأغراض الدفاع عن النفس ومعدات مراقبة»، إضافة إلى «عدم إعاقة أي مرور إنساني، أو مدني أو تجاري على طريق الكاستيلو وعدم الدخول إلى المناطق التي تنسب منها فصائل المعارضة أو إقامة مواقع في المنطقة المنزوعة السلاح، غير نقطتي الرصد».

في المقابل، يتعين على المعارضة «احترام المنطقة المنزوعة السلاح على طريق الكاستيلو. الأمر الذي سيتطلب من قوات المعارضة أيضاً الانسحاب من مناطق معينة» سيتم تحديدها وإبلاغ تفاصيل ذلك إلى المعارضة قريباً لذلك «يتوقع من فصائل المعارضة هو عدم إعاقة أي مرور إنساني أو مدني أو تجاري على طريق الكاستيلو، وعدم دخول المناطق التي تنسحب منها قوات النظام والقوات الموالية لها أو إقامة مواقع في المنطقة المنزوعة السلاح، وبذل كل ما في وسعها لمنع قوات جبهة فتح من التقدم إلى المنطقة المنزوعة السلاح من مناطق سيطرة المعارضة المجاورة لها».

تزامن تطبيق الاتفاق

سيكون تسلسل الخطوات، بحسب المسودة الأميركية، بدءاً من «عودة جميع الأطراف الالتزام بالهدنة في الوقت والتاريخ اللذين سيتم تحديدهما قريباً. وفي نفس الوقت، ستدخل حيز التنفيذ أيضاً الإجراءات الأربعة الخاصة المشار إليها آنفاً» ثم دخول «المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة إلى مدينة حلب فور عودة الالتزام بالهدنة، وعلى الأرجح لن يكون دخولها من خلال طريق الكاستيلو. لكن شحنات المساعدات الإنسانية الأممية اللاحقة ستدخل حلب من خلال طريق الراموسة».

وبعد 48 ساعة من الهدنة و«في حال نجاحها» سيتم تمديدها و «بعد مرور سبعة أيام متواصلة من الالتزام الموثوق بالهدنة، وإقامة حاجزي التفتيش وسحب القوات تبدأ الولايات المتحدة وروسيا الخطوات لمنع تحليق طيران النظام بشكل كامل والعمل معاً لإضعاف (تنظيم) القاعدة في سورية».

العملية السياسية

أكدت الرسالة إلى فصائل المعارضة أن هذا الاتفاق «مهم للعملية السياسية لأننا نعتقد أن تجديد الالتزام بالهدنة يمكن أن يفتح الباب لعملية سياسية منتجة. أما في ظل الظروف الراهنة، حيث الوضع على الأرض في غاية السوء، فإنه ليس من الممكن عودة الأطراف إلى (مفاوضات) جنيف».

وأقرت «الهيئة التفاوضية العليا» المعارضة في اجتماعها في الرياض مسودة الإطار التنفيذي للحل السياسي في سورية التي ستطرح في مؤتمر بدعم وزراء خارجية «النواة الصلبة» في «مجموعة أصدقاء سورية» في لندن الأربعاء المقبل. وأفاد بيان لـ «الهيئة» أن «الحل السياسي هو الخيار الاستراتيجي الأول الذي تعتمده، وذلك بما يحقق تطلعات الشعب الطامح لنيل حريته وصون كرامته، ووفق بيان جنيف واحد والقرارات 2118 و 2254، القاضية بإنشاء هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية، لا وجود ولا دور (للرئيس) بشار الأسد ومن اقترف الجرائم بحق الشعب السوري بدءاً من المرحلة الانتقالية».

وأفادت صفحة الرئاسة السورية على موقع «فايسبوك» أن الأسد استقبل أمس وفداً بريطانياً ضم أعضاء في مجلسي اللوردات والعموم ورجال دين وأكاديميين وأنه قال «إن أخطر ما يواجهه العالم حالياً هو محاولات تغلغل الفكر المتطرّف داخل المجتمعات في المنطقة وخارجها، وهو ما شكّل أساس الإرهاب الذي بدأ يضرب مؤخراً في العديد من المناطق داخل أوروبا والغرب عموماً… والقضاء على الإرهاب لا يستوجب فقط محاربته على الأرض بل مواجهة الأيديولوجيا التي يُبنى عليها، والتي لا تعرف حدوداً أو مجتمعات».

————————-

(*) جريدة الحياة