فنون الممارسة السياسيّة أو المناورات باتّجاه الأهداف / بقلم كمال جنبلاط

مصدر التخاذلية*

أحد المصادر التخاذلية، هو الاعتقاد السائد بأنّ العنف لا يجوز، وأنّ السكوت عن الشرّ أفضل من مقاومة الشرّ والتعرّض لأخطار هذه المقاومة.

يردّد هؤلاء المتخاذلون في تعاسة نفوسهم “من ضربك على خدّك الأيمن فحوّل له الأيسر”، متجاهلين حقيقة هذه الكلمة الخالدة، من حيث إنّها وضعت في فم بطل يتحدّى ويتقبّل نتيجة هذا التحدّي، باسماً مؤمناً متحدّياّ بابتسامته وبقبوله على الدوام، ولم تعلن هذه الكلمة لكي تتقوّل بها أفواه حضرات هذه الأرض ودويباتها من ضعفاء النفوس وهزيلي العقول والحيوية الذين ينتظرون أن تأتيهم الضربة وأن تلحقهم المحنة وهم من وجهها على الدوام.

فإن أتتهم أداروا لها خدّهم الآخر لعلمهم أنّ الباغي سيديره على الرغم منهم، شاؤوا ذلك أم أبوا. الحقيقة أنّنا طالما نعيش في نطاق الازدواجية، لا يمكن نفي العنف نفياً باتاً من الوجود الظاهر. أليس القانون بحدّ ذاته إلزاماً عنفياً، أوليست قواعد الدين ذاتها والمناقبية لكثيرين منّا، عنفاً معنوياً بارزاً.

إنّ القوة المعنوية هي ولا شكّ أفضل من العنف. هي “إكليل الأبطال” كما يقول غاندي، ولكنّ القوّة المعنوية لا تصحّ إلاّ إذا توافَر فيها شرطان أساسيّان.

شرط المحبّة والتحدّي في آنٍ واحد، وشرط عدم الخوف وقبول جميع نتائج أعمالنا بروحية سعيدة قادرة ظافرة، أي بكلمة شرط البطولة.

ولكن من لا يستطيع أن يتمرّس بالقوّة المعنوية، فعليه بالعنف وسيلة. فالأفضل له أن يتحدّى وأن يَقتل وأن يُقتل من أن يهرب من المعركة.

———————————-

*الأنباء، 25\4\1952