الحرّية السياسية

د. محمود صافي

إنَّ الحرّية السياسية هي التزام بأهداف التطوّر الدائم في جسم الدولة الحياتي الشامل للمواطنين، وإنَّ هذه الأهداف تبغي اختيار الإنسان الأفضل والأقدر على تسيير شؤون الناس وإبراز الكفاءة لتمثيل الخلقية المعنوية التي تكوّن جوهر المجتمع ووحدة أبنائه، أما إذا اخترنا حسب عواطفنا ورغباتنا تكون الحرّية السياسية فقدت كلّ محتوى إيجابي وأضحت بدون هدف ولا غاية.

على الأحزاب أن تكون علمانية غير طائفية، وأن تكون لبنانية الانتماء، ولا ترتهن إلاّ للبنان وطنًا وأناسًا، لتتمكّن من إبراز النخبة في المجتمع، نخبة الكفاءات العلمية والمعنوية والخلقية. ووجود الأحزاب العقائدية العلمانية ضرورية لتطوير حياة الناس حيث تنصهر فيها الأفراد، وتتكاتف لتصبح هيئات ومؤسّسات وجماعات علمية تسعى للتضحية من أجل النفع العام وخير المجتمعات والناس عامّة بدون تفرقة. هكذا يجب أن تكون الأحزاب.

ولكن نحن اليوم نرى الأحزاب، وقد يكون معظمها مطيّة لأهواء بعض الأشخاص، ولطموحهم السياسي والوصولية، أو تقليدًا لبعض الإيديولوجيات، أو جسمًا جامدًا لا حياة فيها غابت عنها روح العطاء والتضحية والتطوّر.

من واجبات السياسي القائد والمرشد التجرّد عن الطموح الفردي، فلا يطمع سوى بتنفيذ الأمانة بالسهر على وحدة الوطن ومصالح شعبه، هذا السياسي أو المرشد من النخبة في المجتمع والدولة، فيجب أن تصل النخبة إلى الحكم والإدارات والقضاء، وإلى كلّ المراكز الحسّاسة، يعني هذه النخبة الحقيقية نخبة المعرفة والاتّزان والأخلاق. على النخبة أن تبرز كلّ ما هو صالح، وتطوّر الدولة نحو الرقي والتقدّم. النخبة الحقيقية هي الفكر المنفتح، والعقل المدبّر بالنسبة لأعمال الشعب ونشاطاته، هي نخبة العطاء بدون حدود.

وعلى السياسي الإدراك الدائم لتفتّح الإنسان حتّى يبلغ مقدوره في المجتمع، وينظّم مؤسّساته الاجتماعية والاقتصادية وحتّى الديمقراطية من حيث الالتزام بأهداف التطوّر الشامل في الحياة، وذلك بإعطاء الفرص للإنسان الأفضل والأسلم والأقدر وفق الكفاءة. على السياسي أن يعرف أنّه لكلّ الشعب بكلّ مستوياته والمؤتمن من قبلهم على الدولة، وسنّ القوانين من أجل حياة عادلة.