مفهوم الديمقراطية

د. محمود صافي

إنَّ الديمقراطية كلمة يونانية تعني “ديموس الشعب وقراطس السلطة”، إذًا الشعب هو مصدر السلطات. إذا ما أخذنا الديمقراطية كعنوان وأساس تقوم عليه إرادة الشعب، وفي الديمقراطية لا يجوز مزج الصداقة مع الطموح إلى مركز معيّن، عندها يحصل الجنوح عن الإدلاء بالاسم الذي يصلح للمسؤولية أو القيادة، الحرّية والوعي وحسن الاختيار يجب أن يكونوا نتيجة للتطوّر الاجتماعي والحضاري، هذا ما ينقل الناس من مجتمعات سياسية وفكرية نحو أهداف مباشرة ترتقي بالإنسان الحيّ بضميره وعدالته.

raphael_school_of_athens1
إنَّ الديمقراطية هي البرهان القطعي المميّز في حياة الشعوب، كونها تعبّر عن حقّ طبيعي للإنسان بالحياة السياسية، كما تعبّر عن الحسّ بالمسؤولية وحسن الاختيار، وعلى الشعب أن يترفّع عن المفاسد والغايات والأحقاد الشخصية في الإدلاء بالأصوات في المراكز الانتخابية، حتّى تأتي النتائج بالشخص الكفؤ إلى مركز المسؤولية، وبهذه الحالة تكون ممارسة الاقتراع حقيقة واضحة الأهداف، فيكون مبدأ اختيار الأسلم قد برهن عن مقاييس الحرّية والإدراك. وفرز الأكثرية والأقلية من خلال الديمقراطية البنّاءة البعيدة عن المذهبية وتوافق الأقطاب السياسيين.

والمعروف في هذه المجتمعات قد يمضي وقت طويل دون أن تلتقي القيادات السياسية بالناس، إذ يكتفي بعض القادة في إعلان مقرّراتهم بالتصاريح، غير أنَّ الديمقراطية الحقّة تفرض على هؤلاء القادة عرض المقرّرات على مناصريهم قبل إقرارها ونشرها على الملأ، الحقّ في إبداء الرأي والمناقشة بحرّية مسؤولة، حتّى لا يعود القائد أو السياسي في موقع المنفرد بالقرار، وحتّى لا يعود يتحمّل المسؤولية وحيدًا، بل على العكس، يصبح محاطًا بالولاء والتفاعل البنّاء من قبل مناصريه، يشدّون من أزره، ويدعمونه في سياسته وقراراته، كذلك فإنَّ سمة الفوقية تنعدم في الحياة السياسية المشتركة.

pillars_of_democracy4

الديمقراطية السليمة تحدّد الخطّة الفاصلة بين الأكثرية والأقلية (أي بين رأيين). إنَّ الديمقراطية توسّع المجال بطرح الأفكار وقياسها ضمن الأكثرية أو الأقلية، وبالتالي فإنَّ أي قرار يعرض للتصويت يجب أن تحكمه قاعدة الديمقراطية دون هيمنة فئة على فئة، فمع تنوّع المشاريع قد تغدو الأكثرية أقلية، والعكس صحيح.

وأهمّية الديمقراطية في الفصل بين رأيين عبر الأخذ بالأنسب دون إلغاء الآخر، ودون الخوض في عمليات تقاسم الجبنة في عمليات استنسابية تظهر الديمقراطية، وتُبطن التسلّط والهيمنة. كفانا طرح أفكار ومشاريع في الديمقراطية، منها التوافقي، ومنها الأرثوذكسي، ومنها النسبي والمختلط، هذه هرطقات عجيبة غريبة، برأيي لا ديمقراطية في الوطن المنقسم على نفسه مذاهب وطوائف وأحزاب طائفية، على الشعب اللبناني وخصوصًا الشباب النضال من أجل دولة مدنية عادلة، وأكرّر القول لا ديمقراطية خارج الدولة المدنية.