في الذكرى ” الجليلة “

نبيل بومنصف (النهار)

لم تلق الوفود الاشتراكية التي جالت على المدعوين غدا الى المختارة حفاوة تضاهي تلك التي حرص زعيم “القوات اللبنانية ” سمير جعجع على إحاطة ضيوفه بها فأقام بدوره احتفالا باحياء الذكرى ال15 لمصالحة الجبل التاريخية. ليس الامر متصلا باللياقات المتبادلة التي يشتهر بها الدروز لكونها اساس نسيج العلاقات الاجتماعية والإنسانية فقط بل هي مصالحة أقامت الانقلاب الاهم والأكثر عمقا على الحرب التي اتخذت طابعا طائفيا واهليا في مقلبها الآخر بعد الموجات الاولى من مقاومة المسيحيين للدويلة الفلسطينية . لا ضير في عز ما يشهده لبنان الراهن من استعادة بعض ما تعنيه مصالحة الجبل ما دمنا امام انهيار دستوري وسياسي يشارف حدودا كارثية فاذا بوقفة ستحصل غدا في المختارة تأتينا كجرعة إنعاش لوصفة نجحت على نحو نادر في اعادة الجبل قلب الحيوية اللبنانية.

هي حقيقة لا تحتمل جدلا ان ما قام به البطريرك الماروني الذي يعد القامة الاكثر حفرا في وجدان المسيحيين واللبنانيين مار نصرالله بطرس صفير في تلك الجولة التاريخية على المختارة والجبل قبل 15 عاما لم تكن الا المتمم الإجرائي لاشعاله انتفاضة عارمة على كوارث الحرب وأثارها من جهة كما على الوصاية السورية الآسرة من جهة أخرى .

حمل البطريرك عصاه المرصع بتاريخ العصور الذهبية العريقة لبكركي في اقامة لبنان الكبير على يد سلفه الحويك ، ولكنه اتكأ ايضا باليد الثانية على الزعامة الجنبلاطية التاريخية التي شاء وارثها وليد جنبلاط ان تبدأ ” كل القصة ” في المقلب الجديد الطالع من مصالحة الموارنة والدروز في قلب لبنان . لا نزاع البتة في كون ذاك الحدث الذي انطلق من حضور مبهر للبطريرك صفير الى دارة المختارة شرارة الحدث الاكثر إشعالا لثورة من قلب الداخل اللبناني على سطوة الوصاية السورية كأنما اريد له ان يبدأ بخط العصر الاستقلالي الذي ستتردد تداعياته في طول الجبل وعرضه منذرة باشعال انتفاضة 14 آذار 2005 بعد اربعة اعوام فقط من مصالحة الجبل.

وقائع كأنها حصلت البارحة في وجدان اللبنانيين الذين يقفون اليوم عند مشارف جمهورية لا يكفيها الحنين الى احداث جليلة مماثلة تنتشلها من هذا الهبوط الوطني المخيف . قبل 15 عاما وقف ناشطون باللحم الحي يواجهون الوصاية السورية و”النظام الأمني” البائد في هجمة قمعية انتقامية .امتلأت السجون بمئات المنتفضين على وقع المصافحة الأشهر بعد الحرب بين البطريرك الذي كتب التاريخ انه شكل رأس الحربة اللبنانية ضد الوصاية والزعيم الجنبلاطي الذي صار ايضا احدى رؤوس الحراب في ثورة 14 آذار . ذكرى “جزيلة الاحترام ” لانها لم تقف عند حدود التاريخ وتتمادى عمقا في حاضر يلح كل شيء فيه على شعلة ما توقف الاستنزاف الآخذ بتهديد لبنان من دواخله هذه المرة .