عن صيف لبنان الحزين

د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

مئة مهرجان فني واكثر؛ تنتشر على مساحة لبنان في المدن والقرى، منها ما يرقى الى مصافِ اهم الانشطة الفنية على المستوى العالمي، نظراً لنوعية الاداء الراقي الذي تحفل به، وللتنوع الابداعي الذي يُعرض فيها، حيث تجتمع فنون الغرب والشرق ومهارات العرب في مكانٍ واحد، كما في مهرجانات بيت الدين وبعلبك وجبيل على سبيل المثال.

لا تكفي هذه الظاهرة الثقافية والسياحية للدلالة على استرخاء في الحياة العادية والسياسية في البلاد. فجولةُ أُفق على المعالم السياحية والثقافية والمطاعم، وفي شوارع المُدن – خصوصاً بيروت – تؤكد من دون شكوك؛ ان لبنان اليوم ليس لبنان الذي نعرفه، وجمالية الحياة اللبنانية ينقصها الرونق الذي يبعث بريقاً يشدُّكَ الى الاسترخاء المُريح، والذي قد لا تراه في مكانٍ آخر. فجمالية الطبيعة الساحرة وذوق الاجتماعية الللبنانية الرفيعة والخليط السكاني المتنوع من كلِ حدبٍ وصوب؛ في مكانٍ واحد، ميزةٌ لبنانية لا تُضاهى.

حتى المهرجانات الفنية الناجحة، والتي تشهد حضوراً كثيفاً؛ هي ذاتها تفتقد الى الشراكة العربية والعالمية من حيث الحضور، لأنها اليوم تقتصر على اللبنانيين والمغتربين منهم على وجه الخصوص، وعلى بعض الاخوان من الاردنيين والعراقيين، من دون ان يكون هناك اي اثر للأخوة الخليجيين او للسائجين الاجانب.

وعنعنات حزن الصيف اللبناني تسمعها على الطرقات وفي الشوارع التي تكتظُّ بالسيارات وبالنازحين، من دون فرح.

وتُستكمل مشهدية حُزن الصيف اللبناني بالرتابة السياسية القاتلة في الدولة، رغم الاستقرار الامني النسبي الذي تعيشه البلاد. ففراغ كرسي الرئاسة والإنطباق الذي يُكبِّل حركة البرلمان والإختلافات التي تغلُبُ على مسار العمل الحكومي؛ تقف عائقاً منيعاً امام نسماتِ الامل التي تهبُّ من خلف الحيوية التي تنبعث من الاجتماعية اللبنانية المُتقدِّمة. هذه الاجتماعية التي تُجاهِدُ لتبقى عصيةً على رياح امراض التعصُّب الديني المُنتشرة في المحيط، والتي تكاد تُجهز على ما تبقى من آمال.

وعروضُ الاحزان الصيفية اللبنانية كان ينقصها سماع الاخبار التي تتحدَّثُ عن تراجع الصادرات، وعن تراجع تحويلات اموال المُغتربين الذين يساهمون في تعديل العجز القاسي في ميزان المدفوعات، وعن تراجع في ودائع المصارف المليئة، وعن تراجع في العائدات المالية للدولة، وعن تراجُع في عدد السياح والزائرين، وعن تراجُع مخيف في قطاع الاستثمارات والتنمية.

بالمُقابل؛ لا يساعد الاحزان اللبنانية  في النهوضِ من كبوتها، الكلام عن تزايُد عدد النازحين ( تجاوز عددهم المليونيين بين سوريين وفلسطينيين ) او عن تزايُد عدد السجناء الى ما يزيد عن 8000 شخص، نصفهم من غير اللبنانيين، تكتظُّ بهم السجون المبنية لتتسِع الى ما لا يزيد عن 3000 شخص.

واخبار طاولة الحوار المُرتقبة؛ ليست على احسن حال –  حتى الآن –  ولا يبدو انها ستبعث على الفرح المنشود، او على إخراج الركود اللبناني من المُستنقع الذي بدأ يفُوحُ بالروائح الكريهة.

صيفُ لبنان هذا العام لا يُشبه الخصوصية اللبنانية، ولم يحمِل الثِمار الناضجة من وراء شتاءٍ ساخن، كان مليءٌ بالتجاذبات البلدية، وبالاضطرابات الامنية المُتنقِّلة.

وحدها ارادة المواطن اللبناني المُتفلِّتة من معاصي قيود التعصُّب الديني، ومن اصطفافات الاقليم المتهورة، ومن التعليب السياسي الذي يستندُ الى الشعبوية الطائفية، والذي تُجيدُ صناعته بعض القوى والاحزاب الجديدة نسبياً. هذه الارادة مبعث الامل الوحيد للخروج من مُسلسل الخسائر والاحزان.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

التوازن السياسي في لبنان

قراءة مختلفة لأحداث الأسبوع اللبناني الطويل

انفلات التخاطب السياسي في لبنان: أسبابه ونتائجه

هل هناك ما هو أبعد من تمثيل نواب «سنة 8 آذار» في الحكومة؟

الرأي العام اللبناني لا يريد التصعيد السياسي

هل انقلبت صفحة التفاؤل.. أم أن التعقيدات غيمة خريف وستنجلي؟

استحقاقات لبنانية داهمة

عن نظرية عدم حصرية تمثيل الطوائف في الحكومة

عن خطورة وخلفيات ما حصل في المطار

لقاء بكركي الذي حرّك السواكن الحكومية

ماذا تقول أوساط معارضة عن الأحجام السياسية؟

مصالح لبنان في سورية ومصالح سورية في لبنان

مواقف في خطاب عيد الجيش

ما مبررات مواقف «الاشتراكي» و«القوات» من تشكيل الحكومة؟

عن الانعكاسات الخطيرة لتوقف القروض السكنية

عن إشكالية حصة الرئيس الوزارية

عوامل التفاؤل والتشاؤم

مرحلة ما بعد الانتخابات والأحلاف السياسية

عن الآثار السياسية لاستبعاد النائب أنطوان سعد

لبنان: الحسابات السياسية تختلف عن الحسابات المالية