لبنان في ثلاجة الانتظار… الى متى؟

ناجي مصطفى (الأنباء)

لا شيء في الافق يوحي بأن لبنان قد يستعيد عافيته عما قريب، فكل شيء فيه معطل سواء على مستوى مؤسساته الدستورية ام على مستوى ملفاته المالية والاقتصادية، واخيراً ليس اخراً على مستوى التعيينات في الهياكل العسكرية والامنية والادارية.

لبنان اذن في شلل تام، اللهم اذا ما استثنينا جهود ظاهرة ومستترة تقوم بها القوى المسلحة من جيش وقوى امن مع الاجهزة الاستخبارية المتصلة بها في مجال المتابعة الدقيقة للمجموعات الارهابية العابرة منها  من المحيط الى الداخل، او تلك المقيمة الكامنة في غير منطقة لبنانية والتي لم تكن اخرها انشطة مريبة لبعض الجماعات الارهابية داخل مخيم عين الحلوة، والتي هي محل متابعة دقيقة من الجهات الامنية اللبنانية ومن فصائل منظمة التحرير الفلسطينية التي تحرص بدورها على عدم جر المخيم الى اتون صراعات لا تخدم القضية الفلسطينية ولا العلاقات الاخوية بين الشعبين اللبناني والفلسطيني.

فلبنان بلا رئيس للجمهورية منذ ما يزيد عن السنتين، ولبنان بلا مجلس نيابي يشرع طالما ان الدستور يقضي بانه في حال شغور منصب رئيس الجمهورية يتحول المجلس النيابي الى سلطة ناخبة لا يحق لها التشريع، وما فكرة تشريع الضرورة الا اجتهاد من خارج النص لتمرير بعض التشريعات الضرورية المتصلة بالتزامات لبنان المالية الخارجية والداخلية، ولبنان ايضا بلا مجلس وزراء فاعل مع استقالات بعض اعضائه من جهة وميله من جهة ثانية الى اقرار بنود عادية من جدول اعماله تسير عجلة الدولة بحدها الادنى، ولبنان بلا موازنة عامة تحدد على نحو واضح وصريح واردات الدولة ونفقاتها ووجوب التوازن بينهما بعيدا عن القاعدة الاثني عشرية التي وضعت بالاساس لتدارك التاخير في اقرار الموازنة لفترة قصيرة كي لا تتعطل عجلة الدولة.

مجلس النواب

كما ان اخطر ما في الامر اننا مقبلون على ازمة على مستوى التعيينات العسكرية لا سيما على مستوى قيادة الجيش ورئاسة الاركان فيه ناهيك عن تعيينات مماثلة على مستوى المديرية العامة لقوى الامن الداخلي وبعض الاجهزة الاخرى، مع اقتراب موعد استحقاقها بفعل انتهاء خدمة شاغلي هذه المواقع الحساسة من كبار الضباط وبلوغهم سن التقاعد، في ظل صراعات وتصفية حسابات على هذا الصعيد بين بعض القوى من شانها تعقيد ملء هذه المراكز الحساسة في لحظة سياسية وامنية دقيقة لا تحتمل ترف المناكفات والمماحكات الفارغة.

ولا يخفى ان شغورا هائلا تعانيه الادارة العامة على مستوى سائر فئاتها القيادية لا سيما الفئة الاولى منها يعرقل عمل المرافق الادارية وقدرتها على النهوض بما هو مطلوب منها ولو بحده الادنى.

انه مشهد التعطيل الكامل والشلل الكامل في ظل اوضاع مالية واقتصادية مازومة، عبر عن بعضها التقرير الاخير لوزير المالية علي حسن خليل الذي سلط الضوء على حجم الدين العام الهائل نسبة الى الدخل الوطني ناهيك عن تباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي وتراجع تحويلات اللبنانيين المغتربين وفقدان الاجواء الملائمة للاستثمار الداخلي نتيجة غياب الاستقرار السياسي والأمني على حد سواء.

  واذا كان التفاهم بين التيار الوطني الحر وحركة امل قد اوحى ببعض من الامل ازاء اقتراب صدور المراسيم المتعلقة بتلزيم البلوكات النفطية في ظل بوادر مشجعة عن حجم المكتشفات النفطية السائلة منها والغازية، غير ان مسارعة بعض القوى، ومن باب المناكفة ليس إلا لإطلاق النار على هذا التفاهم، وان كان  بذريعة ظاهرها وطني تتعلق بعدم اشراك جميع القوى في البحث والتقرير في هذا الملف الوطني، سرعان ما احبط المناخات التفاؤلية التي سرت لفترة وغلفها بغلالة من الشك في امكانية الاستفادة من هذه الهبة (الالهية) التي من شأنها، في حال تنفيذها، مساعدة اللبنانيين في اطفاء الجزء الاكبر من الدين العام وفتح افاق تشغيلية لقطاعات واسعة من اليد العاملة الشابة بما يحد من ازمة البطالة وهجرة الكفاءات اللبنانية المتخصصة.

في معالجة حالة الشلل والاختناق هذه المتحكمة بعمل المؤسسات الدستورية وتعطيل الاقتصاد الوطني ثمة من يحيل  المسألة الى انفراجات قد تحصل في الخريف المقبل في ظل الحديث عن تفاهمات اميركية- روسية على حل ما للازمة السورية تريح الاوضاع المحلية، فيما يحيل البعض الاخر بدء حلحلة الاوضاع المحلية الى مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية بما يسهل اجراء انتخابات رئاسية ويفتح الافاق نحو حلحلة باقي الملفات، وبين هذا الاتجاه وذاك يبقى لبنان معلقا على انتظار الترياق من العراق، اي انتظار تقرير مصيره ومستقبله في الخارج ربطا بتقرير الحلول لازمات المنطقة، فيما يبدو ان كثيرا من القوى السياسية قد استسلمت للامر الواقع واطفأت محركاتها ارتقابا لاشارة ما خارجية، وهكذا فان اوضاعنا المحلية مرشحة للبقاء في ثلاجة الانتظار لفترة يقررها الخارج لا قوة دفع محلية فاعلة ومؤثرة.

  ولكن السؤال يبقى ماذا لو طالت مسالة حصول انفراجات في المنطقة؟ هل نبقي اوضاعنا المحلية عالقة في دوامة الانتظار؟ ام ان على القوى الحية في المجتمع، اذا كان ثمة قوى لا تزال موجودة، ان تستنفر جهودها وطاقاتها بحثا عن مخارج حقيقية للازمة المركبة والشروع في الدخول في حوار عميق للوصول الى تسوية سياسية وتفاهمات وطنية حول كل الملفات المعلقة، وهي التسوية التي بح النائب وليد جنبلاط في الدعوة اليها يقينا منه ان لبنان هو بلد التسويات الدائمة التي لا مناص من اللجوء اليها عند دخول الاوضاع المحلية حالات الاستعصاء كما هي عليه الحال اليوم.

 

اقرأ أيضاً بقلم ناجي مصطفى (الأنباء)

اعتماد النسبية… مدخل الى الاخلال بالتوازنات الداخلية في لحظة احتدام طائفي على مستوى الاقليم

بين موسكو وطهران: اختلاف استراتيجيات في سوريا… أم أكثر؟!

غياب المشروع العربي فتح قابليات القوى الاقليمية للتوسع والسيطرة

لماذا شيطنة قانون الستين وتقديس النسبية؟

سقوط تدمر بيد “داعش” يكشف زيف ادعاء نظام الاسد بقتال الارهاب!

حرب الفيتوات المتقابلة تهدر فرص تأليف الحكومة وتعوق انطلاقة العهد!

وليد جنبلاط المسكون بهاجس التاريخ… قلق من لعبة الأمم!

بعد الانتخاب والتكليف ومساعي التأليف: حكومة الفرصة الأخيرة ما قبل الانهيار والفشل!

سيناريو إفتراضي لما بعد إنتخاب عون!

بعد تجاوز قطوع ترشيح عون… ماذا عن التكليف والتأليف؟!

الاستحقاق الرئاسي: بين سلة بري واستعجال عون!

الاستحقاق الرئاسي: بين ارتباك المستقبل ومناورات حزب الله!

عام على التدخل الروسي في سوريا: اي حصيلة واي نتائج؟

سوريا: قوى تتقدم وأخرى تنكفىء وأشلاء وطن تنزف دما وهجرة!

وليد جنبلاط داعية الوحدة في زمن الانقسام الطائفي والمذهبي

بعد ثورات الربيع… أليس لهذا الليل العربي من أخر؟!

عن الميثاقية المظلومة… ما لها وما عليها!

مستقبل سوريا: اخر محاولات للتسوية والا التقسيم

في ذكرى مصالحة الجبل: تأكيد الاصرار على العيش الواحد

زيارة وليد جنبلاط الى الصرح البطريركي… اي ابعاد؟