عندما جنبلاط يحث على إنتخاب رئيس تداركا للاسوأ!
ناجي مصطفى (الأنباء)
9 يوليو 2016
عندما يكفهر وجه الوطن وتتلبد في سمائه الغيوم السود منذرة بعواصف وأعاصير سياسية وربما بسيول غزيرة من الدماء، يصبح المضي في ترف المماحكات السياسية نوعا من نزق غير مرغوب أو مقبول، كونه يهدد الإجتماع اللبناني بعواقب خطيرة من شانها الإطاحة بالكيان الهش أساسا، في لحظة سياسية بالغة الخطورة على مستوى المنطقة يجري العمل فيها على إعادة إنتاج هويات جديدة، بدل تلك التي إستقرت عليها قبل نحو قرن من الزمان في إطار ما سمي إصطلاحا إتفاق سايكس- بيكو.
ومن نافل القول أن إستشعار رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي لحجم المخاطر المحيقة بالوطن، لا سيما في ضوء الهجمات الإرهابية الدموية في القاع والمعلومات المتقاطعة لدى الجهات الأمنية اللبنانية والدولية حول أعمال إرهابية يجري الإعداد لها لاستهداف الساحة اللبنانية ناهيك عن الشبكات الإرهابية التي ضبطتها مخابرات الجيش والمعلومات التي أدلى بها أعضاء هذه الشبكات، كل ذلك دفع الزعيم الإشتراكي إلى طرح معادلة وجوب ملء الفراغ الرئاسي بغض النظر عن إسم المرشح الرئاسي، لا بل وتلميحه إلى إمكان القبول بعون إذا كان ذلك يؤمن الطريق إلى إستقرار سياسي يشكل مدخلا للشروع في تحصين الساحة السياسية ولوجا نحو تحصين الساحة الامنية إزاء المخاطر المحتملة.
ولا شك أن لقاءات الزعيم الإشتراكي على مدى الأسبوع الماضي مع كل من الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع وتنسيقه الدائم مع الرئيس نبيه بري وحلوله ضيفا مع عدد من أركان الحزب على مائدة حزب الله الرمضانية، حركت المياه الراكدة في مستنقع الاستحقاق الرئاسي وأطلقت دينامية جديدة هي بمثابة فرصة قد تكون اخيرة لكسر حالة الاستعصاء والانطلاق نحو انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ما يقلق النائب جنبلاط هو إقتراب كرة النار من لبنان بعد أن عشنا لسنوات على وهم أن ثمة مظلة دولية تحمي لبنان، غير أن تفجيرات القاع الإرهابية وإعلان مخابرات الجيش عن القائها القبض على شبكتين إرهابيتين كانتا تتحضران لتفجير أماكن سياحية وعامة، إضافة إلى معلومات أمنية على قدر كبير من الخطورة جرى إبلاغها إلى لبنان من قبل أجهزة أمنية واستخبارية دولية، عادت لتؤشر مرة جديدة إلى احتمال أن يكون لبنان ساحة تصفية حسابات امنية إرهابية على غرار ما هو حاصل في العراق مثلا مع فقدان الحد الأدنى من مناعة وطنية تحصن البلاد من الانزلاق إلى اتون حروب مذهبية أين منها أحداث السابع من أيار عام 2008.
من هنا يمكن قراءة إندفاعة النائب جنبلاط لفتح خطوط التواصل مع الأطراف المحلية الفاعلة بحثا عن مخارج للمازق الرئاسي ليس لضرورة وجوب ملء الشغور في سدة الرئاسة الأولى فحسب، إنما لاهمية أن يكون هناك رئيس، أي رئيس، يستطيع معه لبنان مواجهة ما هو آت من مخاطر أمنية مستجرة من تسارع وتيرة التطورات العسكرية والأمنية في المنطقة.
لكن السؤال يبقى فيما إذا كانت سائر الأطراف اللبنانية تستشعر درجة المخاطر ذاتها التي يتوجس منها الزعيم الإشتراكي فتلاقيه في منتصف الطريق أم أن بعضها يرى أن ثمة مجالاً بعد للعب على حافة الهاوية دون الانتباه إلى سهولة الانزلاق إلى قاعها بسرعة قياسية، بالنظر إلى الدخان الكثيف المنبعث من حرائق المنطقة والذي قد يعمي أبصار بعض اللاعبين المحليين عن رؤية عمق الهوة السحيق الذي يدفعون بمواقفهم البلاد اليها.
إنها لحظة الحقيقة التي يجب على جميع الأطراف الوقوف عندها والتامل بمعطياتها الخطيرة ومن بعدها إتخاذ القرار الكببر، أما الشروع في الاستحقاق الرئاسي فورا دون إبطاء أو الإستعداد للدخول في مرحلة تحلل الدولة وتفككها في لحظة رسم الخرائط الجديدة في المنطقة، وبالدم هذه المرة، حيث يكون مستقبل الكيان اللبناني موضوعا على طاولة التشريح بالمبضع الدولي ذاته الذي يرسم حدود الكيانات الجديدة الناشئة بصرف النظر عن حجم الدماء المطلوبة لاكتمال مشهد الجغرافيا السياسية الجديدة.