تفاقم التوتر في بحر الصين الجنوبي

د. ناصر زيدان (الخليج الاماراتية)

يوماً بعد يوم تتفاقم المشكلات الناتجة عن الخلافات الدولية في بحر الصين الجنوبي. لم يَعُد الأمر محصوراً بالنزاع الإقليمي بين الدول المُتشاطئة مع البحر، وهي: الصين والفليبين وفيتنام وتايلاند وكمبوديا وبروناي وماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا ولاووس. فقد تطورت التباينات لتشمل أطرافاً دوليين آخرين، وفي مُقدمة هؤلاء الولايات المتحدة التي ترتبط بمعاهدات صداقة وتعاون مع العديد من دول المنطقة.
بكين تعتبر أن الصداقات المستجدة بين واشنطن وعدد من عواصم دول جنوب شرق آسيا، ناتجة عن محاولات أمريكية لتطويق السياسة الصينية والالتفاف على نجاحاتها السياسية والتجارية، ولمنعها من استثمار المخزونات الواعدة من النفط والغاز الموجودة تحت مياه بحر الصين وجزره الصغيرة المنتشرة في وسطه. وهذا الاستثمار الصيني قد يُحرِّر البلاد من الاختناق الذي يُسببه عدم توافر الثروة النفطية في الصين، خصوصاً أنها دولة تحتاج إلى الطاقة بكميات كبيرة، نظراً لاعتماد اقتصادها على الصناعة التي تحتاج أكثر من غيرها للنفط.
الأهمية الاستراتيجية لبحر الصين الجنوبي تضاعفت بعد تنامي الحركة التجارية الدولية التي تعبر مياهه، بحيث تمرّ فيه أكثر من 40% من الصادرات العالمية، كما أن أهم كابلات الألياف الضوئية العالمية التي تُستخدم للاتصالات تتمدد تحت مياه بحر الصين لتصل إلى أهم الدول التي تستخدم الإنترنت في العالم، ومنها خصوصاً اليابان والصين والهند.

تتداخل المطالبات بملكية جزء من مياه بحر الصين وجزره بين عدد من الدول المجاورة له، لكن الأبرز بين تلك الدول هي: الفليبين وفيتنام. الأولى أطلقت تسمية «بحر الفليبين الغربي» على الجزء الذي يتصل بمياهها من بحر الصين، أما الثانية؛ فقد أعادت الحرارة إلى علاقاتها مع الولايات المتحدة بعد انقطاع دام 50 عاماً؛ من جراء خلافها المُتفاقم مع الصين حول ملكية بعض الجزر القريبة من حدودها، والتي تبني فيها الصين قواعد عسكرية، وتُنقِّب فيها عن النفط، خصوصاً منها جزر أرخبيل سبراتلي.

الصين تعتبر أن 80% من بحر الصين الجنوبي، كمياه إقليمية لها. لكن واشنطن لا تعترف بهذا الادعاء، وترى أن أغلبية مساحة البحر، هي مياه دولية يمكن ممارسة الإبحار فيها وفقاً لقانون أعالي البحار الدولي. أما الدول المُجاورة – خصوصاً الفليبين وفيتنام – لا توافق على هذا الادعاء. كما أن الدول الأخرى المُشاطِئة للبحر، تعترض على المقاربة الصينية، رغم أن هذه الدول غير مُتفقة فيما بينها على تفسيرٍ واحد لتوزّع النفوذ – وتحديداً على السيادة على بعض الجزر في البحر – علماً بأن العديد من هذه الدول تربطها علاقات صداقة مع بكين.

الولايات المتحدة تستغل الخلافات بين الصين وجيرانها حول البحر والجزُر لكي توحد جهود هذه الدول في مواجهة سياسة التوسّع الصينية. ولكنها تقول إنها ليست طرفاً في النزاع، بل إنها تحافظ على أصدقائها في المنطقة، وهذا ما صرَّح به الرئيس الأمريكي باراك أوباما أثناء زيارته الفريدة من نوعها إلى فيتنام في 23/5/2016، وبعد 50 عاماً من القطيعة بين البلدين. اللافت أن أوباما أعلن خلال هذه الزيارة؛ رفع الحظر عن توريد السلاح إلى فيتنام، ما فسره الجانب الصيني على أنه خطوة استفزازية، وتحريض مكشوف على توتير الأجواء بين الصين وجيرانها.

الرئيس الصيني شي جينبينغ الذي زار واشنطن نهاية سبتمبر/أيلول 2015 قال: إن النزاع بين الصين والولايات المتحدة يُعتبر بمثابة الكارثة على البلدين والعالم، فيما لو حصل، ولكن تطور الأحداث في شرق وجنوب آسيا يُنذرُ بانفلات الأمور، أو باختلال التوازن على أقل تقدير.

الولايات المتحدة تضع أكثر من 60% من قواتها المسلحة الخارجية في منطقة شرق وجنوب آسيا، وهذا بطبيعة الحال مؤشر له دلالاته الواضحة. فمن ناحية يُشكلُ تعزيزاً لمكانة واشنطن في المنطقة، ومن جهة ثانية يحتوي على تحذير للصين من مغبة زيادة نفوذها، لاسيما رقابتها القريبة على الممرات المائية الاستراتيجية.
آخر الإجراءات الأمريكية الموجهة ضد الصين؛ كانت التدريبات التي تقوم بها حاملتا الطائرات الأمريكيتان: «يو اس اس جون سي» و«يو اس اس رونالد ريغان» ابتداء من 19/6/2016.
وزير خارجية الصين وانغ يي أوضح «أن هذه التدريبات تزيد من حدة التوتر، وقد تؤدي إلى تطورات غير محسوبة». الأميرال ماركوس هينشكوك قائد الحاملاتين، لفت بدوره إلى أنه «لا تستطيع أي دولة أخرى أن تحشُد مثل هذه القوة البحرية في مكانٍ واحد»… وهو كلام يحمل مضامين كثيرة.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الخليج الاماراتية)

قمة اللقاءات الجانبية

إشكالية تعطيل الحكومة اللبنانية

أفغانستان والديمقراطية والتفجيرات

صعوبات جديدة أمام السياسة الروسية

روسيا وألمانيا والمصالح الاستراتيجية

الاتحاد الأوروبي وملفات المنطقة

قمة هلسنكي والمخاوف الأوروبية

مستقبل لبنان بعد الانتخابات النيابية

الإعلان العربي لحقوق النساء من ذوي الإعاقة

الانتخابات الإيطالية وضباب القارة الأوروبية

الأسبوع الآسيوي – الأميركي

في حجم تأثير الأوهام السياسية

تغييرات في نمط العلاقات الدولية

إعادة خلط الأوراق في بلاد الشام

الأسرى الفلسطينيون والجرائم الدولية الموصوفة

العدالة الدولية عندما تصطدم بالسياسة

أسئلة بمناسبة ستينية الاتحاد الأوروبي

ميونيخ 2017: مؤشرات مُختلفة

حراك من نوع آخر في شرق المتوسط

عن تطور العلاقات السعودية – الصينية