5 حزيران 67 إنهزمنا، 9 حزيران 67 هزمنا الهزيمة

بسام الحلبي

 

يعتبر الكثيرون أنّ شهر حزيران، وتحديدا الخامس منه، هو تاريخ إعلان الهزيمة العربية بوجه إسرائيل، فلا يرون من هذا الشهر إلا هذا التاريخ دون غيره من الأيام، ما يعتبر من التواريخ المشرِّفة للعرب برفضهم الهزيمة الحاصلة في تاريخ الخامس منه، وأنه  في هذا الشهر تاريخَي التااسع والعاشر منه، في عين السنة، هب الشعب العربي من محيطه إلى خليجه رافضاً الإستقالة التي أعلنها العظيم عبد الناصر على أثر هزيمته في المعركة يوم 5، الأمر الذي ادّى بالرئيس إلى الرجوع عنها. وقد بدأ فور رجوعه عن الإستقالة بإستيعاب نتائج الهزيمة ولملمة جراحها وطلب عقد  قمة عربية، عُقدت في الخرطوم، في شهر آب 1967 وباشر بإعادة بناء الجيش المصري ومحاكمـة المسؤولين عن تقصير الخامس من حزيران.

 الإنهزاميون من العرب، إعتبروا أن الإصرار الشعبي على بقاء عبد الناصر هو من قبيل مبايعة المهزوم الذي لن يتمكن من إسترداد الأراضي التي إحتلتها إسرائيل، وفي طليعة هؤلاء كان حزب البعث الذي أوصل العرب إلى الحال التي هم عليها الآن في الشرق الأوسط.

حرب 67

وتناسى هؤلاء الحقيقة التاريخية التي تؤكد أنّ خسارة القائد لمعركة ليست خسارته لحرب، وفي التاريخ الحديث الكثير من المعارك التي تؤكد أنّ أنتصارات كثيرة تحققت بقيادة من هُزم قبل هذا الإنتصار ولكن انتهت الحرب لمصلحته.

ومن أهم الأمثلة على ذلك. الجنرال جورج مارشال الذي كان رئيس أركان الجيش في الولايات المتحدة وانهزم يوم 7 كانون الاول 1941 في بيرل هاربر، فهو لم يقصَ من منصبه ولم يستبدل إذ إستمر بقيادة الجيوش الأميركية وكان تحت قيادته ايزنهاور الذي حقق إنزال الحلفاء في النورماندي حيث بدأ منها تحرير أوروبا من الإحتلال النازي، وأصبح بعد ذلك رئيساً للولايات المتحدة، كما أن مارشال أصبح وزيراً للخارجية وأطلق المشروع الذي عُرف بإسمه لإعادة بناء أوروبا وبعد ذلك أصبح وزيراً للدفاع حيث إستمر في هذا المنصب حتى نهاية ولاية الرئيس ترومان وفوز أيزنهاور، مرؤوسه، بمركز الرئاسة.

Pearl-Harbor-2

كما كان مارشال رئيس أركان الجيوش الأميركية، المنهزم في بيرل هاربر، كان في هذا المركز عندما حرر ماك آرثر الجزر في الباسفيك من الإحتلال الياباني، وحقق الإنتصار النهائي للحلفاء رغم هزيمته النكراء في بيرك هاربر.

 وعندما إحتل النازيون فرنسا بخلال أيام ، بدأت يوم 5/ حزيران واحتلوا باريس يوم 14 منه، وغادرها الجنرال شارل ديغول هرباً من النازيين يوم 13، وأطلق النداء الشهير للشعب الفرنسي في يوم الإحتلال، من لندن، لم يستقل والشعب سانده ودخل باريس بعد تحريرها بتاريخ 7 آب 1945.

hitler-in-Paris_SI-in-London

والمارشال مونتغمري قائد الجيش البريطاني إنهزم في دنكيرك سنة 1941 وهو الذي قاد معركة العلمين بوجه روميل الألماني وغرازياني الإيطالي، وانتصر في العلمين، كما قاد الجيش البريطاني عند تحرير اوروبا مع سائر جيوش الحلفاء.

فالكبار يهزمون أيضاً ولكن لا يعتبروا أن التاريخ إنتهى مع الهزيمة ما دامت إرادة النضال قائمة فإنّ النصر هو حليف المعتدى عليه.

والرئيس عبد الناصر هو من هؤلاء فهو بخلال ثلاث سنوات تمكن من إعادة بناء الجيش ورمم ما انهار في إدارته نتيجة الفساد، وأوصله الى الهزيمة، وجهز جيشه ووضع الخطة العسكرية لعبوره، وأعلن حرب الإستنزاف على اسرائيل، ولكن القدر إختطفه من العرب وكأنه يريد أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه. فإبتلاهم بأنور السادات الذي عبر بخطة عسكرية وضعتها قيادة الجيش والأركان بإشراف و قيادة عبد الناصر، ولحنه إنهزم لأنه إستسلم لكيسنجر وأميركا وإسرائيل مكتفياً بالشكليات الفرعونية.

حزيران ليس شهر الهزيمة بل هو شهر إنتصار الإرادة الوطنية.