نظام حرب لا نظام تهدئة

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

«نظام التهدئة» الذي أعلنه الشركاء الروس والأميركيون في سوريا كما يسمّون بعضهم، بدعة خطيرة في السياسة والقانون. للتهدئة نظام وقاعدة، هذا صحيح. القاعدة سياسية، والنظام آليات مراقبة ومتابعة.

البدعة هي في حصر التهدئة مع «النظام» في الغوطة الشرقية واللاذقية، معقل النظام السوري، واستثناء حلب تحترق على أيدي جيش النظام! هكذا على مرأى ومسمع من العالم كله وقع الاتفاق على هذا النظام الذي يُفضي واقعياً وعملياً إلى حماية «النظام» في مناطق معينة وإطلاق يده في مناطق أخرى، وهم بذلك يقرّرون دمار واستباحة مناطق وتهدئة مؤقتة في مناطق أخرى. إنه نظام الحرب، وليس نظام التهدئة.

نظام الخطوط الحمر حيث تقضي الحاجة، ونظام الفوضى حيث الوضع ملائم. ونظام الخراب الشامل والدمار الشامل في كل المراحل ونظام الصمت والالتزام في مراحل. وأبشع ما في الأمر أن يعلن الروس بوضوح «أن الأسد رئيس شرعي ونتعاون معه على هذا الأساس» أنهم لن يضغطوا على نظامه لاعتماد نظام التهدئة في حلب، ولم يضغطوا عليه لوقف هجومه عليها رغم كل المآسي التي حلّت بها وبسكانها.

ثم أن يقولوا علناً أيضاً أن جيش النظام سوف يقوم بهجوم على دير الزور والرقة لتحريرهما وبمساندة من الجيش الروسي، بما يؤكد أن النظام المقترح هو نظام حرب مستمرة ومفتوحة.

وما أعلن على لسان الروس هو ما كشفه رئيس النظام أمام من التقاهم في الأسابيع الأخيرة. عندما قال: «لقد استعدنا تدمر نحن وحزب الله في عملية عسكرية تمّت تحت القيادة الروسية ! ونحن نستعد لتنفيذ عملية كبرى في دير الزور تحت القيادة ذاتها والتحضيرات جارية لذلك». وأضاف: «نحن على تفاهم تام مع الروس.

حتى فيما يخص جنيف والمفاوضات والتنازلات التي يمكن أن نقدمها ونحن أيدنا حكومة الوحدة الوطنية مع المعارضة والمستقلين مدركين سلفاً أن المعارضة لن تشارك، وإذا أعلنت موافقتها فهي لن تستطيع تسمية أي من ممثليها، وإذا تمت التسمية فهم غير قادرين على الحضور»! يعني الحرب مستمرة بوسائل مختلفة.

ولا مجال للتفاهم معهم، وكل كلام عن تغيير النظام لا قيمه له، سواء بالنسبة للنظام وحلفائه، وبالتحديد إيران.

الجمهورية التي أكد أكثر من مسؤول فيها: «أنها تدعم الحكومة السورية لأن من يقاتلها هم أعداء الإسلام يخدمون إسرائيل وأميركا»!، وأن «بقاء بشار الأسد هو خط أحمر».

والنظام هو خط دفاع استراتيجي عن إيران ومصالحها، ومستشار خامنئي رحيم صفوي يعلن: «استراتيجيتنا للعام 2036 تمكين وتثبيت حزب الله والأسد، فلا حل في سوريا على قاعدة رحيل الأسد»، هي الحرب المفتوحة إذاً.

والسؤال الذي يطرح نفسه: ماذا عن أميركا؟ حمّلت المسؤولية للنظام والمعارضة معاً. والأولوية لا تزال لمواجهة «داعش»، والعمل مع الروس لإنجاح المسار «السلمي» في جنيف! يعني عملياً ومع الإعلان عن عدم الاستعداد لإعلان مناطق آمنة وتقديم أسلحة للمعارضة، وانتقاد أداء فصائل المعارضة في جنيف، ترجيح كفة النظام الذي يلعب مع إيران لعبة الوقت، ويعتبر أنه يربحها حتى الآن.

هذا مشهد اللقاء في جنيف بين ممثليه ومفوضية السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وهذه الوفود الفرنسية في سوريا، وهذا سيناتور أميركي هناك، وهذه اتصالات دبلوماسية مباشرة وغير مباشرة تحت عنوان مواجهة الإرهاب، وتلك دعوات للتعامل مع النظام في مواجهة الإرهاب، وهذه اتهامات للمعارضة، وهناك الأهم: الموقف الإيراني.

لا انفتاح على أحد ولا تعاون مع أحد ولا تبادل مصالح مع أحد إلا على قاعدة ما فعلته أميركا عندما كانت تفاوض طهران على مشروعها النووي: الالتزام بعدم استهداف النظام السوري…

هذا هو نظام التهدئة، وهذه هي قاعدتها كما تراها طهران، وعلى هذا الأساس تحرك أوراقها وأدواتها وتدير لعبتها من اليمن إلى العراق وسوريا.

أميركا تدرك ذلك وتتعامل معها، وإسرائيل تتربص بالجميع، وتريد حصتها ولا يزعجها احتراق ما تبقّى في سوريا، ولا تعنيها تهدئة ولا يعنيها شيء إلا بحدود خدمة أهدافها ولعبتها ونظام حربها وإرهابها.