الإنتخابات البلدية وأبطالها العائلة والجب والقرميّة!

محمود الاحمدية

“لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم، والله غفور رحيم” (البقرة 225)

الضمير هو صوت الحق.. وهو نور الذكاء لتمييز الخير من الشر.. وفي داخل كل منا محكمة عادلة تبقى أحكامها يقظة في نفوسنا، هي الضمير.. والشاعر الخالد شكسبير قال: “الضمير الحي هو عين الله على الأرض”..

خمسة عشر يوما مرّت استعدادا ليوم انتخابات البلديات الجديدة.. وكأننا في عين العاصفة.. فإذا بالناس من آخر قرية في أعالي بلاد جبيل الى آخر قرية من قرى الإقليم تنغمس في المناقشات، والحوارات والزيارات والتطبيقات.. ولكن الذي يصدمك ويجعلك تتراجع خطوات الى الوراء هو هذا التناقض الكبير بين ما تحلم به وبين الواقع المرير الذي يأكله الصدأ..

البلدية هي الوطن على “مصغر”.. وهي على صورة رئيسها مع مجلسها المفروض أن يختصر النخبة من العاملين في الحقل الاجتماعي والمؤمنين بأهمية إنماء بلدتهم أو مدينتهم والذين يحملون شعارات النزاهة ونظافة اليد وحب الناس.. هي مجموعة متجانسة تستطيع الإرتقاء بوضع البلدة الى مستويات رائعة..

وكم يحضرني المثل الرمز لكيفية إدارة البلديات وهو الفرنسي جاك شابين دلماس الذي قاد بلدية نيس على مدى ستة عسر عاماً متصلة مما جعلها وفي مقياس “التقدم التنموي السنوي” الأولى في أوروبا على مدى ستة عشر عاماً!

من إبداعاته: لا مجال لرخصة بناء بدون حديقة خارجية مساحتها لا تقل عن ضعف المساحة المعطاة للرخصة! فترى (نيس) في جنوب فرنسا وكأنك في جنة خضراء! من ابداعاته التقدم المتفوق السنوي في تعبيد الطرق الموازية للأوتوسترادات والطرق الرئيسية، وهي ذات مواصفات خاصة بذوي العاهات!

من ابداعاته رؤية المرأة الفرنسية الجنوبية وهي تبز رفيقاتها الأوروبيات في تسلّق سلم الاحصاءات السنوية من حيث كميات فرز النفايات من المصدر بحيث بلغت حداً يصل الى 90 بالمئة وهذا رقم لم تصل اليه الا مدينة “مودينا” في شمال ايطاليا!

ويسقط الحلم اللبناني من هذه الامثلة الوهاجة بكل ألوان الحضارة الى مستنقع العائلة والجب واعتذر من القارىء الكريم لترداد هذه العبارات في مقالاتي الاخيرة ولكننا لا نستطيع الا ان نحطم هذا القيد وهذه العقلية وهذا المنطق الجاهلي وذلك بترداد رفع الصوت امام جريمة ترتكب بحق القرية والمدينة والوطن عندما ترى الجهالة تنتصر و”لعّيبين الكشاتبين” ينتصرون، مع الاعتذار من الذين يستحقون الفوز وهم قلة.

عود على بدء، لقد بدأت مقالتي عن الضمير، وهنا اسأل كل لبناني سيصوّت في جبل لبنان، هل سترضي ضميرك عندما تسقط الورقة في الصندوقة، وهل ستمتلك الجرأة ان تقول كلا لن انجر الى لعبة العائلة والجب والقرميّة والفخاذ واخواتها طالما هذه هي المقاييس للانتخابات البلدية! هل ستراعي ضميرك الحزبي اذا كنت عقائديا وتملك فكرا متنورا وعلمانيا وتختار الرؤيا والبرامج والإبداع والنوعيّة عندها ستجسد جزءاً من حركة واعية واعدة لصالح بلدتك قريتك أو مدينتك.

Untitled

لبنان هذا الوطن الرائع بالحرية التي ينعم بها ابناؤه.. كم انت بحاجة يا وطني الى رجال شرفاء عظماء يعيدون لك مجدك ويقودون المسيرة بشمم وعفة ونزاهة وراحة ضمير!

سؤال أخير: في قلب مشكلة النفايات ومصائبها والدور الريادي للبلديات في إرساء حل فرز النفايات من المصدر على مساحة الوطن بأكمله، أين هي اللّوائح الإنتخابية البلديّة التي تعهّدت باحتضان هذا الحل واتّخاذ خطوات عملانيّة على الأرض لتحقيقه؟

لن اشخصن الاشياء ولكن ما سأفعله شخصيا” في انتخابات بلدتي هو الابتعاد عن كل هذه اللعبة غير الديمقراطية عبر قانونها الاعرج وتقاليدها العرجاء. هو جزء من مسيرتي وايماني بأن هذا الوطن لا بد ان تشرقط فيه بلدياته عبر قوانين حضارية والشاعر ابراهيم المازني قالها منذ عشرات السنين:

قد أفعل الشيء لا ابغي به املا

ولا أبالي الورى ماذا يقولونا

همي ضميري فإن ارضيته فعلى

رأي العباد سلام المستخفين                  

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة