التوغل الإسرائيلي بعد الكيماوي للجولان

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

في منتصف شهر يناير الماضي زار وفد أوروبي إسرائيل، والتقى رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو. كان هدف الزيارة مناقشة مسألة الاستيطان، والقرار الأوروبي بمقاطعة منتجات المستوطنات، ومحاولة إقناع الإسرائيليين بضرورة الانتباه إلى خطر سياساتهم المعتمدة تجاه الفلسطينيين، وتهديد حل الدولتين، وإحراج كل أصدقائهم في العالم، ودعوتهم إلى اتفاق بشأن المنتجات لتخفيف الإجراءات الأوروبية والحؤول دون الوصول إلى عزلة إسرائيلية. أحد كبار المسؤولين الأوروبيين الذين اطلعوا على تقرير أعده الوفد قال أمام زائر عربي بارز: «أبلغنا وزير الخارجية الأميركية جون كيري أنه وعد نتنياهو بالعمل على تخفيف الإجراءات الأوروبية بمقاطعة المنتوجات المصدّرة من المستوطنات، مقابل تخفيف الحكومة الإسرائيلية إجراءاتها ومواقفها ضد الفلسطينيين وإعادة إطلاق المفاوضات بين الطرفين للحؤول دون تقدّم الحكومة الفرنسية بمشروع منفرد إلى مجلس الأمن حول هذا الموضوع. وطلب إلينا المساعدة، أرسلنا وفداً إلى إسرائيل التقى نتنياهو، الرجل يعيش في عالم آخر، فهو يعتبر أن القرارات الأوروبية ظلم بحق إسرائيل، يريد إلغاءها وليس تخفيفها أو تخفيف إجراءاته في مواجهة (الإرهاب) الفلسطيني في الداخل، لن يتوقف عن بناء المستوطنات. لا يرى شريكاً فلسطينياً، يعتبر أبومازن إرهابياً، والسلطة الفلسطينية تحرّض على الإرهاب، و(حماس) تبني الأنفاق، وتخطط لأسر إسرائيليين. وفصائل إسلامية متطرفة تنمو في غزة، وتتمدّد في الضفة. لقد عاد الوفد بانطباع أن ثمة خطورة كبيرة على مستقبل الوضع هناك. نتنياهو قوي، يتحكّم بالقرار، وما يجري في المنطقة يخدمه، وهو يعرف كيف يستفيد منه»!

سأل الزائر العربي مضيفه الأوروبي: «ماذا عن سوريا»؟ فأجاب: (موقف نتنياهو واضح، ليس مهماً بالنسبة إليه إنْ بقي الأسد أو رحل، بالسلم أو بالحرب، يؤكد على أمرين: بقاء الجولان تحت سيطرة إسرائيل نهائياً، ومنع «داعش» وإيران و«حزب الله» من البقاء في سوريا)!

تقسّم سوريا أو تبقى موحّدة ضعيفة مفككة لا مشكلة لديه، يريد الأمرين المذكورين، هكذا بكل وضوح قالها أمام الوفد، لأنه يعتبر كل العالم يتحدث عن خطر «داعش»، ويدعو إلى مواجهته عبر تحالفات مختلفة، وهذا التنظيم يتمدّد، وهو موجود على حدوده. كذلك فإن أميركا وغيرها ولو بنسب متفاوتة توجّه اتهامات إلى إيران برعاية الإرهاب. وجامعة الدول العربية ودول مجلس التعاون الخليجي تعتبر «حزب الله» منظمة إرهابية، وثمة توجّه لتوسيع دائرة اتهام الحزب بالصفة ذاتها، فمن يضمن أمن إسرائيل»؟ أجاب:«إسرائيل فقط وجيشها وإمكاناتها، وهذه مسؤوليتكم، لأن الخطر الذي يهددنا، وكنا ندعوكم إلى تفهّم موقفنا منه ودعمنا في مواجهته، بات في عقر داركم»! وختم المسؤول الأوروبي كلامه قائلاً:«أرى منطقتكم متفجرة مشتعلة، وستأتي النار إلينا إذا لم يعالج الموضوع السوري بسرعة، ولا أرى إمكانية معالجته في الفترة القريبة المقبلة رغم المساعي الروسية الأميركية»!

منذ أيام، وبعد مضي ثلاثة أشهر على كلام نتنياهو المذكور، عقدت الحكومة الإسرائيلية اجتماعاً استثنائياً تاريخياً في الجولان المحتل. الزمان والمكان لافتان. قال نتنياهو خلاله:«الجولان كان جزءاً لا يتجزأ من أرض إسرائيل في العهد القديم. وهو جزء من إسرائيل في العهد الجديد. وخلال الأعوام الـ 19 التي كان فيها تحت الاحتلال السوري استخدم كاستحكامات تحت الأرض وأسيجة وللحروب. بينما في السنوات الـ 49 الأخيرة تحت السيادة الإسرائيلية، يستخدم للزراعة والسياحة والاقتصاد والسلام»! وأضاف:«أبلغت جون كيري منذ أيام، وقلت له، بغض النظر عما يحصل وراء الحدود، فإن الحدود الحالية لن تتغير. وشككت بأن تعود سوريا إلى ما كانت عليه في السابق وقلت: إسرائيل لا تعارض تسوية سياسية في سوريا، لا تكون على حساب أمن إسرائيل، لكن أن تؤدي إلى طرد إيران وحزب الله وداعش من الأرض السورية».

هكذا أعلن نتنياهو رسمياً ما قاله للوفد الأوروبي في يناير. وهو في نوفمبر من العام الماضي كان قد طرح على الرئيس الأميركي باراك أوباما فكرة إعادة النظر في مكانة الجولان والأخذ في الاعتبار دور إسرائيل ومساهمتها في استقرار المنطقة في ظل انهيار سوريا، كذلك فهو كان قد أشار إلى التمسّك بالجولان، قائلاً: إن المبادرة العربية التي أقرت عام 2002 انتهت، فهي أعدت لشرق أوسط كان قائماً آنذاك، وهو يتغير بشكل دراماتيكي اليوم! وتناولنا هذا الأمر في حينه مع ما قاله عدد من مستشاريه في بداية عملية التسويق لهذه الفكرة. فإلى أن تطرد إيران و«حزب الله» و«داعش» من سوريا، وإلى أن تقرّ التسوية السياسية سنكون أمام مسلسل طويل من العنف والحروب والدم. ونتنياهو يراهن على ذلك، نظراً لتعقيدات الأمور. وقرب انتهاء ولاية أوباما، وصعوبة الوصول إلى اتفاق سياسي نهائي حول سوريا خلال الفترة المتبقية منها. ولذلك أطلق مواقفه الأخيرة قبل أيام من زيارته موسكو واستعداده للقاء الرئيس فلاديمير بوتين، الذي أكد له الرئيس أوباما منذ أيام أنه «قلق من احتمالات تقسيم سوريا إذا لم نتفق»!

لم تتوقف اندفاعات نتنياهو ضد إيران والاتفاق النووي في محاولة للابتزاز، وهو مرتاح إلى الواقع العربي المأزوم والوضع في سوريا، وتمدّد الإرهاب واستغلاله لتعزيز منطقه، ويحاول زيادة أثمان الاتفاق النووي وتطبيقه مع ما يرافق ذلك من مد وجزر في العلاقات الأميركية – الإيرانية، كما يحاول أخذ الجولان بعد الكيماوي الذي سلّمه النظام السوري لضمان بقائه وتجنّب الضربة الأميركية عام 2013.