شكراً مسيو هولاند… أعطيتنا درساً في الحضارة والأخلاق!

محمود الأحمدية

منذ اللحظة الأولى التي وصلت فيها إلى مطار بيروت واستقبال وزير الدفاع لك، كانت الوجوه مكفهرة، والإبتسامات مصطنعة وصفراء،ووصولك إلى سجادة الرئيس بري الحمراء والإستعراض الرسمي الرمادي، ثم المؤتمر الصحافي، ثم السرايا الحكوميّة والرئيس سلام  والمباحثات والمؤتمر الصحافي الثاني، ثم قصر الصنوبر والجالية الفرنسية والسياسيين المدعوين، وبعدها البقاع وَحَدْبُكَ على طفلٍ دمّرت ملامحه الحرب وانحناؤك لتقبيله، ومقابلتك لعائلة سوريّة وجلّ ما طالبت به الزوجة سفرها إلى جانب زوجها في المانيا برفقة أطفالها الستة وتجوّلك في مخيّم للنازحين السوريين، ثم انتقالك إلى مصر…

كان اللبنانيون يتابعون كل حركة، كل همسة، كل ابتسامة، كل عطف وكأننا شعب اشتاق إلى ماذا معني، كنت ترى اشلاء وطن محطم، مقطوع الرأس، تحاول لملمة ما تبقّى منه، ولم يستحِ الذين يشاركون في قطع هذا الرأس للمرة السابعة والثلاثين عبر لقاءات انتخابات الرئاسة وكأنها صورة تتقيّء نفسها وتحرق آخر صفحات من كتاب هذا الوطن المعذب… لم يستح أولئك الذين يقاتلون من أجل مركز درجة رابعة لأنه برأيهم يشكل خطراً على الطائفة بينما يناورون ويتهيبون ويتجابنون عن حضور الجلسة الأهم بكل المقاييس انتخاب رئيس للجمهورية… هي سياسة اللامنطق بامتياز… لم نعد كشعب نعلم ما هو الصح وما هو الغلط… ترى السماء زرقاء يقولون لك مغيّمة، يا أخي زرقاء، وبعدها تقول معهم مغيّمة.. وطن تغنّى كثيراً بديمقراطيته فإذا هو اشلاء ديمقراطية ويفاخر البعض بأن العالم يجب أن يتعلم منا أصول التعايش عفواً التكاذب!!!

مسيو هولاند بالأمس شعر اللبنانيون بالغصة والإنكسار عندما شاهدوا الحضارة التي ابتعدت عنهم وكأنك تعيد إليهم بعضاً من أمل وأنت رئيس دولة تتباهى بثلاثية شعارات ثورتها على العالم كله! مسيو هولاند بالأمس على قدر ما كان الحلم اللبناني منكسراً أغبراً لا لون له ولا رائحة، بقدر ما ذكرتنا ولو ليومين أن هذا الحلم ممكن أن يعود، والغريب أن سمة الوقاحة أصبحت تلاحق المسؤولين وكأنهم يطلون على الناس من خلال برج ملايينهم التي جمعوها بالحرام وعلى عينك يا تاجر…

هولاند وبري

مسيو هولاند بالأمس ذكّرتنا بأننا ما نزال نعيش في وطن وكان بإمكانك القفز فوق سمائه مباشرة إلى القاهرة، ولكن خطواتك المدروسة كانت قيمة حضارية تقول لكل النائمين افيقوا من حقدكم، افيقوا من مصالحكم، افيقوا من بحر الذل والسرقة والنهب والسبات العميق. مسيو هولاند بالأمس ذكرتنا بأن هناك مجلس للنواب وعندما قلت لهم تفضلوا انتخبوا رئيساً لكم…

فخامة الرئيس هولاند كأني بك تتساءل: ألم يتعلم اللبنانيون بشكل عام والمسيحيون الموارنة بشكل خاص من دروس وأهوال الماضي؟ وكأنني به يتساءل أيضاً وأيضاً: حليفان مسيحيان مستجدان كيف يحلّلان ويحرّمان في نفس الوقت ومن خلال اتفاقهما قضية مصيرية انقاذية لجلسة انتخابات الرئاسة؟؟ وما هو هذا التحالف الذي يتعامى عن أبسط حقوق هذا الوطن انتخاب الرئيس؟؟ ماذا يعني تحالف وليس هناك بند واحد يتفقان عليه؟؟ وماذا يعني مرشح آخر للرئاسة ونوابه لا يشاركون في انتخابات الرئاسة؟؟ سيقولون وسيردون نفس الترنيمة الممجوجة، الوضع الإقليمي والوضع الإيراني والوضع السعودي… وكأننا وطن بلا وجه، بلا كرامة، بلا تاريخ…

مسيو هولاند بالأمس شعرت بالخجل من نفسي كلبناني غارق في نفايات وطنه، وفاقد لكل أحلامه، وحامل لتاريخ وطن عابق برائحة الدم، ومذهول بلائحة من الفضائح المالية، والأخلاقية، والسياسية… أمام حضارة مارد فرنسي أعطانا من خلال يومي اقامته دروساً في الحضارة وفي احترام انسانية الإنسان…

lebanon-presidents chair

مسيو هولاند لا تعجب مما وصلنا إليه فالحكمة القائلة: الشيء الوحيد الذي يتغلب على العقل هي الغاية… نعم غايتنا أنانيتنا غرورنا جهلنا أوصلنا إلى ما وصلنا إليه… جلُّ ما اتمناه عليك عندما تفكر في لبنان، فَكّر في لبنان الآخر لبنان الإبداعات في المهجر، لبنان المفكرين، والأطباء والمهندسين والجاليات الخلاّقة في كل أرجاء الدنيا، وفي قلب فرنسا مئات الأمثلة من اللبنانيين الذين يذكرون بلبنان الذي كان…

مسيو هولاند مثل وحيد سأنهي فيه مقالتي هذا المثل يختصر كل المسافات، في مناسبة تكريمية للمبدعة اللبنانية ايفون عبد الباقي عندما كرّموها في الأونيسكو قالت: لو خيّروني بين جنسيتي الاكوادورية وجنسيتي اللبنانية لقلت أنا أولا اكوادورية وثانياً لبنانية لسبب بسيط لو كنت ما ازال في لبنان لكنت الآن تحت مصار بتاتر قريتي التي أفتخر بها، ايفون عبد الباقي وزيرة البيئة في الأكوادور تختصر مصيبة شعب!

أخيراً على صخرة مصالحنا الشخصية يتحطم وطن ويصبح اشلاء…

مسيو هولاند سامحنا لقد أطلنا ولو أن الموضوع لا تنهيه مئات الصفحات….

 

اقرأ أيضاً بقلم محمود الأحمدية

القلم الحر والانتصار في زمن القهر

عصام أبو زكي… الرجل الأسطورة… بطل من بلادي

انسحاب واشنطن من اتفاقية باريس للمناخ ونتائجه الكارثية

في الذكرى 43 معلومات جديدة مذهلة عن عالمية فريد الأطرش

كمال جنبلاط البيئي: سابق لعصره

من كمال جنبلاط إلى الربيع الصامت إلى فرنسا

مَنْ أَحقّ من فريد الأطرش بنيل جائزة نوبل للفنون

كمال جنبلاط البيئي سابق لعصره

كيف لوطن أن يشمخ وفيه كل هذا العهر في مسلسلاته

حرش بيروت تحت رحمة اليباس… والتاريخ لن يرحم

مواسم التفاح بين الحاضر والماضي… قصة عزّ وقهر!

مصنع الإسمنت في عين داره ونتائجه الكارثية على البيئة والإنسان

كمال جنبلاط البيئي  وثقافة المواطن الحر والشعب السعيد

أولمبياد الريو والحضارة وعرب ما قبل التاريخ

مصنع الإسمنت في عين دارة: جريمة بيئية موصوفة

هل أحسنت؟ هل أخطأت؟ لا أعرف!!

حكايتي مع كرة القدم وفريق ليستر الانكليزي الذي هز اعتى الامبراطوريات

غسان سلامة و”اليونسكو” وزواريب السياسة اللبنانية!

أنا علماني ولكني لي ملاحظاتي!

الدلع السياسي … إن لم نقل أكثر!!