نحر أو انتحار.. أو ترحيل!

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

منذ أشهر وقادة الإرهاب الإسرائيلي يرتكبون المجازر بحق الفلسطينيين ويصادرون المزيد من أراضيهم، ومن آخر عملياتهم في هذا الخصوص مصادرة 1200 دونم في الضفة الغربية. كما أنهم يواصلون سنّ القوانين لمنع أبناء الشعب الفلسطيني من التعبير عن رأيهم، ويعتبرون الأطفال الفلسطينيين إرهابيين إذا حملوا قلماً أو مقصاً أو حجراً، وهم لا يملكون إلا الأسلحة البدائية لمواجهة إرهاب الدولة المنظم إسرائيلياً. الحملة استهدفت أيضاً وسائل الإعلام الفلسطينية، فقد صودرت محطات إذاعية وتلفزيونية، واعتقِل صحافيون وإعلاميون، وقتل آخرون.. فالمطلوب هو كمّ الأفواه، والسكوت على جرائم التهجير والأسر والحرمان وكل الممارسات العنصرية واللاإنسانية. المطلوب الرضوخ لنظرية الإسرائيلي: الفلسطيني المقتول هو الفلسطيني المقبول. لماذا استهدفوا الإعلام الفلسطيني؟ قالوا: «إنه يبث تحريضاً على العنف والكراهية ويؤيد الذين يطعنون الجنود أو المستعمرين الإسرائيليين». اليوم خرج الحاخام الإسرائيلي اسحق يوسف ابن الحاخام عوفاديا يوسف (والولد سر أبيه في كل شيء) ليقول: «العرب مجرد صراصير. يجب قتلهم وإبادتهم جميعاً»، ثم يضيف: «اليهودي عندما يقتل مسلماً فكأنما قتل ثعباناً أو دودة ولا أحد يستطيع أن ينكر أن كلاً من الثعبان أو الدودة خطر على البشر. لهذا فإن التخلص من المسلمين مثل التخلص من الديدان، أمر طبيعي أن يحدث». واقتبس من التلمود قوله: «إذا دخلت المدينة وملكتها فاحرص على أن تجعل نساءها سبايا لك ورجالها عبيداً لك أو قتلى مع أطفالهم». «وإذا أتى أحدهم حاملاً سكيناً فقتله فريضة». وختم الحاخام موعظته بالقول: «إذا لم يكن الفلسطيني على استعداد لأن يقبل أن ينتحر، فينبغي ترحيله إلى السعودية»! ويعني ذلك بكل وضوح: «الفلسطيني هنا إما أن ننحره أو ينتحر أو يرحّل إلى السعودية»! أليس في ذلك دعوة وتحريض على العنف والحرب الدينية؟ أليس فيه تعميم للإرهاب ومطالبة علنية بالإبادة الجماعية للفلسطينيين واحتقارهم، بل للعرب الذين اعتبر «مبرر وجودهم هو خدمة لليهود».

القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي تبث تلك الموعظة. ترى، من يعاقب هذه القناة؟ هل مسموح للإرهابي الإسرائيلي استخدام القوانين والقوة والبطش والإرهاب وكل أنواع القتل ضد الفلسطينيين وممنوع على هؤلاء قول كلمة؟ كيف يدّعون أن إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط؟ من يحاسبها على أفعالها؟ أليس هذا الرجل مثل الإسلاميين المتطرفين وغيرهم من اليمينيين النازيين أو المهووسين في أوروبا، وأمثالهم موجودون في كل مكان؟ إلى متى سيبقى الذنب الإسرائيلي مغفوراً؟ ولماذا هذه الحملة الشعواء على العرب والمسلمين واتهامهم بالجملة، ديناً وفكراً وشعوباً وجماعات، دون أي تمييز بينهم، بالإرهاب، ويسكت العالم على أفعال وأقوال الإرهابيين العنصريين الإسرائيليين؟

يأتي كلام الحاخام يوسف وتطرح هذه الأسئلة، في وقت يروّج فيه لتحالفات وعلاقات جديدة بين أميركا وبعض دول الغرب والشرق مع أنظمة مثل النظام السوري وغيره، تحت عنوان مكافحة الإرهاب، ونحن بالتأكيد ضد أي شكل من أشكال الإرهاب أينما كان، لكن سياسة الكيل بمكيالين خرّبت المنطقة ودمّرت كل آفاق السلام والتسويات والتنمية. ولم يأت ذلك عبثاً. بل كان عملاً ممنهجاً ومدروساً! وإذا كنت ضد البقاء أسرى نظريات المؤامرة، كما يفعل عدد من الغوغائيين الذين يبررون أفعال أنظمة الاستبداد وتخلّف العرب وهدر إمكاناتهم وثرواتهم وطاقاتهم البشرية بالحديث عن المؤامرة في أمكنة كثيرة.. فإنني بالتأكيد لا أجد مبرراً على الإطلاق لهذا السكوت العربي على ما يجري في فلسطين، وهذا القصور الإعلامي والسياسي والدبلوماسي العربي في مواجهة المواقف الإسرائيلية التي أشرنا إليها، والتي استكملت منذ أيام بتصويت أولي في الكنيست على مشروع قانون يقضي بإبطال النيابة البرلمانية عن كل عضو يؤيد تحركات الشعب الفلسطيني!

عندما نسمع ونرى كيري ولافروف، وبوتين وأوباما، يهندسون الهدنة في سوريا ويتحدثون عن الاتفاقات والتحالفات لمواجهة الإرهاب، وترى العرب مفككين مشتتين، يكون الرابح الأول إسرائيل بالتأكيد، وينزلق كثيرون بالأمر الواقع وليس في الواقع إلى مواجهة «إرهاب» محدد وموجود لكن المطلوب حصره في بيئة معينة لناحية الانتماء وتعميمه لناحية المسؤولية، وهذا أمر خطير ويسمح للمتمسكين بالنظام السوري أيضاً أن يتقدموا.