كمال جنبلاط لم يرحل!
هيثم عربيد
16 مارس 2016
المكان والزمان إنصهرا برحلةِ الحياة، وتوحدا بنبض المطلق وانبثقا منه، مع تجذّر المعرفة والعِلم والتصوّف بنورِ الإنسانيَّة، ومن رَسَمَها بخطى الفكر، وإرتقاء العقل، وإندماج الرؤية ما بين الداخل ومنطلقاته العاطفيَّة والفكريَّة والجوهريَّة، والخارج المستنير بمسالك الحواس المستشرفة والمحفِّزة للكمال الداخليّ، عبر الإنسجام مع سورياليَّة السنا في اليقظة التوعويَّة لإدراكِ التوحيد والوعي الحقيقيّ.. وهكذا كان المعلم الشهيد كمال جنبلاط منذ الولادة حتّى الشهادة، ينسج ولم يزلْ الشرأبة الدائمة نحو العلى بخصالِ وتمتمةِ العقلِ كمنطلقٍ في تدرّجِ الكلمةِ وضيائها، فحَبَكَ الإشراقات المعرفيَّة بكلِّ روافدها، وعاد لفجرِ الحياة بزمانِها ومكانِها التكوينيّ ليدركَ الملموس والمحسوس، وإعتلاء السيطرة على الذات، لينسابَ كالنهر، بجلجلةِ المنبعِ الحياتيّ حتّى المصب، من خلال إنعتاقهِ بكلِّ تقدميَّة العِلم والثقافة والمعرفة، ومن ثمَّ الإتحاد بالعودةِ الهادئة لأيقونة التجدّد المستمر برحلةِ الوجود اللامحدود!!!…
كمال جنبلاط لم يرحلْ لأنّه ارتمى في كلِّ هنيهةٍ، بهدأة الضمير، ولولبة انسجامهِ المتفاعل مع الذات والحركة، في رداءِ الروح المتجسدة والمتسامية بالأخلاقِ والأدبِ والوداعةِ والإنسانيَّةِ، ليتّحدَ بصفاء المشهد، وقوة الرؤية المستمرة في الأبعاد الحياتيَّة والشبابيَّة بكلِّ تفاعلات انسجامها الزمنيّ والمكانيّ، حتّى يرتقي المرء في كينونتهِ الداخليَّةِ والخارجيَّةِ ويعكسها بمشهديةٍ نورانيةٍ تنادي الحقوق والواجبات بمسالك الضمير، وإرادة ملاقاة التحدّي بهدوءٍ ورصانةٍ تجاري الإنبعاث المتراكم في الوعي، وخطى العشق المتمادي للأنسنةِ التي تستولد الإنسانيّة بالضياءِ الجوهري، والصفاء الكلّي، للإبحار في الحقِّ والحقيقة اللامتناهية!!!…
مرتقى الضياء الساطع من تكوّر البداية لمنحى العقل، والمنبثق من منابع ومصافي وروحيَّةِ المحبّة، دوَّنها المعلّم بعمق ِالنور الروحيّ والجسديّ في التّغذية المستدامة للفكرِ وإستشرافهِ المعرفيّ الدائم، كي يتربَّع على عرشِ الحريّة في بحرِ الوعي الهائم بالفرد، والمتنامي لإدراك الشخص في الحكمةِ والثقافةِ والقيادةِ والريادةِ، ضمن ممرّات التربيّةِ الأدبيّةِ والأخلاقيَّةِ ليتقاربَ ويستنير بالحقيقةِ الكامنة في عالم التفاعل الفكريّ والعقليّ للجوهر الإنسانيّ…
لذا، أتقدم بالسؤال الوجدانيّ والعقلانيّ والضميريّ وأتخطَّى التخبّط الداخلي لأقولَ: هل يعقل أن ترتدي مدرسة المعلم ونهجه المتقدم ثوب الواقع المرير!!؟؟، لندخلَ في الصراع مع الذات، دون أن نهتدي ولو بالحدودِ الدنيا لمبادئِكَ الكماليّة التي أشرقتْ في كلِّ أرجاء الكينونةِ الوجوديّةِ، ونحنُ نغمرها بالأنا الذاتيّة بعيداً عن الأنا الجوهريَّة والتحرّر الحقيقيّ.. وبمعتركِ المادة دون الإرتقاء للروح ِووحدتها المتسامية.. وبمقتضيات التخلّف ورفض منابع المعرفة المتألقة بالفكر الكماليّ.. والإحاطة بعناوين المراوغة والتدجيل السياسيّ والتماهي في الإنزلاق ِبدناوةِ المصالح، بعيداً عن الدور الرياديّ والتصويبيّ والتنويريّ المنوط بنا كنخبةٍ اعتلينا قَسَم المعلّم في غمر الوعي والحريّة والتكوّر الإنسانيّ.. وإلى ما هنالكَ من روافد الإنحدار على كافةِ المستويات الوجوديّة، مما يجعل الإنسان على الأرض في مهبِّ رياح التحجّر القاتل، والإنعتاق مع الأنا التدميريّة في شتّى الحقول البشريّة.. وهذا التسارع في الإنحطاط يستوقفنا بكلِّ صرخات العقل، أن نقوم بأقصى ما يمكن لمحاكاةَ الحقّ والنزاهة والضمير، ونمطتي التحدّي لمواجهةِ الآفات المتحكّمة بالإنسان ومصيره ومساره الحياتيّ، حتّى التجذّرَ برسالةِ المعلّم الشهيد كمال جنبلاط، ومناداة شهادته بالإستشهاد على جسورِ بناءِ الإنسانيَّة في كوكبةِ الإنعتاق بالحريَّةِ لأجلِ الإنسان الإنسان وكرامتهِ اللامحدودة واللامتناهية!!!…
لكَ المحبَّة كلّ المحبَّة.. يا معلّمَ الأجيال.. يا صرخةَ الضمير الباقية دون ارتجالٍ أو ارتحال…