التخبط السياسي وسياسة الدهاء

د. ناصر زيدان (الخليج الاماراتية)

ترى أوساط سياسية مراقبة لما يجري في المنطقة من تطورات متسارعة، أن الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء التركي داوود أوغلو إلى طهران في 432016، لم تكن موفقة من حيث الشكل والتوقيت، وربما من حيث النتائج. ذلك أنها أشّرت بوضوح إلى التخبط الذي تعيشه السياسة التركية، بينما تتسلح السياسة الإيرانية بتراث كبير من الدهاء السياسي الذي يغلُب على مُعظم جوانبه المكر، أو ربما الخداع.
التسريبات الإعلامية التي أشارت إلى نجاح اقتصادي لزيارة أوغلو، وأنها تناولت مواضيع لها علاقة بتهدئة التوتر بين إيران والدول العربية المجاورة؛ لا تخفي التهوّر السياسي الذي وقع فيه أوغلو من خلال انعطافاته الغريبة، وهو يقول إنه يدافع عن مصالح تركيا، ويتهم أطرافاً بدفع بلاده إلى المغامرة، ولكنه في الواقع يستخدم هذا الشعار لإخفاء أخطائه.
سياق الأحداث التي تحصل في المنطقة لاسيما تطور الأزمة السورية لا يبرر لأوغلو سياسته الجديدة. وهذه السياسة المُتعجّلة؛ قد تنعكس سلباً على بلاده، كما انقلبت عليها خطة «صفر مشكلات» التي انتهجها منذ عشر سنوات عندما كان وزيراً للخارجية. وهذه المقاربة أنتجت لتركيا مجموعة كبيرة من المشكلات بدل أن تُلغيها، وقد تفاقمت أزمات تركيا أكثر بكثير مما كان عليه الوضع قبل وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في أنقرة. ودلّت زيارة طهران اليوم على ضعف الموقف التركي، وبدت أنقرة كأنها تستجدي من طهران إيقاف دعمها حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل، بينما العامل الكردي يُشكِلُ ضغطاً على السياسة الإيرانية، بما يوازي الضغط على السياسة التركية. والدهاء الإيراني يخفي اعتراضه على الاستقلالية الكردية التي تؤذي أطماعه، بينما تنشغل أنقرة بمحاربة بعض المجموعات الكردية عسكرياً، والطرفان الإيراني والتركي يتجاهلان، بالقدر نفسه، بعض المطالب الكردية، بينما تبدو أنقرة أمام العالم أنها وحدها تقف ضد الطموحات الكردية.
لدى إيران نقاط ضعف كبيرة في تركيبتها الداخلية، وفي علاقاتها الدولية، تحاول إخفاءها، بينما تختنق السياسة التركية بسرعة أكبر من جراء بعض الضغوط.
إيران بارعة في سياسة إشعال القتال خارج أراضيها، وهي لا تخسر شيئاً من رصيدها، وكامل الثمن لسياستها التوسعية، تدفعه من حساب الآخرين ومنهم الأصدقاء أحياناً فتدخُلاتها في الشؤون العربية؛ خرّبت اليمن، وفتّتت العراق، ودمّرت سوريا وأغرقتها في بحر من الدماء، وهي أحرجت تركيا. لكن أياً من الأذى والخراب الناتج عن التوترات الإقليمية من كابول إلى طرطوس السورية لم يطل شبراً واحداً من الأراضي الإيرانية على مدى 15 عاماً.
الإعلام الموالي لحزب «العدالة والتنمية» يروّج لزيارة أوغلو على أنها إنقاذ للاقتصاد التركي الذي أصابه الأذى من الإجراءات الروسية. وأن التبادل التجاري بين البلدين سيصل إلى 30 مليار دولار، بينما لم تُسجل الأرقام الواقعية أكثر من 9 مليارات دولار في العام 2015. علماً بأن حاجة الاقتصاد الإيراني للعلاقة مع تركيا أكثر بكثير من حاجة الأخيرة إلى طهران. ذلك أن المنفذ التركي للصادرات الغازية الإيرانية عبر خط الإمداد الذي يصل إلى أوروبا، مروراً بالأراضي التركية؛ مهم جداً لإيران، كما أن الواردات التركية من إيران مُقتصرة بنسبة 90% على الغاز، بينما تحتاج إيران إلى سلع أساسية تركية وبأسعار تنافُسية، مثل الصناعات الكهربائية، والمواد الغذائية الزراعية غير المتوفرة في إيران.
كان يمكن برأي مجموعة من المُتابعين، ونُخب الرأي؛ أن يتم التمهيد لزيارة أوغلو عن طريق بعض الخطوات التي تُلزِم طهران إجراء تعديل على سياستها تجاه تركيا، وتجاه الأزمات المُتفاقمة في المنطقة، خصوصاً على تدخلاتها السافرة في سوريا والعراق واليمن، وهذه التدخلات تُصيب المصالح التركية على المستوى ذاته من استهدافها للبلدان العربية.
إن توقيت زيارة أوغلو الى طهران ومن دون مُقدمات مُسبقة أثارت بعض الشكوك، لأن هذا التوقيت ترافق مع البدء بمرحلة استعادة التوازن بين القوى الإقليمية في المنطقة، خصوصاً من خلال النجاح الذي حققته عاصفة الحزم في اليمن، وكذلك من استنهاض القوى الرافضة للتدخُل ولمحاربة الإرهاب الذي عبّرت عنه مناورة «رعد الشمال» ووصول طائرات حربية سعودية إلى قاعدة انجيرليك التركية.
قد يكون من حق تركيا أن تعمل على خلط الأوراق، لأنها شعرت بأنها بلا حلفاء دوليين، بعد الأزمة التي أصابت علاقاتها مع روسيا بعد إسقاط طائرة السوخوي خريف العام 2015 على حدودها مع سوريا وكادت تُوقِع حرباً بين البلدين، برُغم أن تركيا عضو في حلف شمالي الأطلسي، ولكن الحلف خصوصاً واشنطن لم يقف مع تركيا؛ بتصاعد التعاون الأمريكي الروسي حول سوريا الذي يُزعِج تركيا أكثر فأكثر منذ ذلك التاريخ.
ولكن ليس من حق تركيا أن تستفرِد بتوقيت استعادة تفعيل العلاقة مع طهران، في وقت يراهن الذين وقفوا مع أنقرة أنها ستكون إلى جانبهم في عملية استعادة التوازن الاستراتيجي المفقود في الإقليم، والزيارة شكّلت غطاءً لسياسة التدخّل الإيرانية، لأنها افتقدت إلى الحد الأدنى من إعادة الحسابات الإيرانية، بل على العكس؛ فالرئيس حسن روحاني أعلن في أعقاب اجتماعه إلى أوغلو: «إن تعاون تركيا مع إيران كفيل بإيجاد حل للأزمة السورية»؛ كأنه يُشير إلى طلب تعاون تركي مع موقف بلاده، وليس تراجع بلاده عن خطط التدخُل في سوريا. –

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الخليج الاماراتية)

قمة اللقاءات الجانبية

إشكالية تعطيل الحكومة اللبنانية

أفغانستان والديمقراطية والتفجيرات

صعوبات جديدة أمام السياسة الروسية

روسيا وألمانيا والمصالح الاستراتيجية

الاتحاد الأوروبي وملفات المنطقة

قمة هلسنكي والمخاوف الأوروبية

مستقبل لبنان بعد الانتخابات النيابية

الإعلان العربي لحقوق النساء من ذوي الإعاقة

الانتخابات الإيطالية وضباب القارة الأوروبية

الأسبوع الآسيوي – الأميركي

في حجم تأثير الأوهام السياسية

تغييرات في نمط العلاقات الدولية

إعادة خلط الأوراق في بلاد الشام

الأسرى الفلسطينيون والجرائم الدولية الموصوفة

العدالة الدولية عندما تصطدم بالسياسة

أسئلة بمناسبة ستينية الاتحاد الأوروبي

ميونيخ 2017: مؤشرات مُختلفة

حراك من نوع آخر في شرق المتوسط

عن تطور العلاقات السعودية – الصينية