ثمن «داعش»: التقسيم

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

كشف موقع «تسنيم» الإيراني القريب من «الحرس الثوري» أن مسؤولين أميركيين من الاستخبارات المركزية والخارجية ولجنة الأمن في الكونجرس، التقوا مسؤولين عراقيين من كل الأطياف في لندن وأربيل وبغداد وعمّان وأبلغوهم كما أبلغوا عواصم مؤثرة «أن هناك عجزاً غير قابل للمعالجة إذا استمر الحكم العراقي على وضعه الحالي»، وأكدوا ضرورة «القبول بثلاثة أقاليم رئيسية تخضع لحكم فيدرالي في بغداد، وهذا هو الشرط الأساس للقضاء على «داعش» وتطهير العراق منه، وإنهاء كل السلطات الثانوية التي تحل محل الحكومة الآن خصوصاً أن الميليشيات تخضع لأوامر إيرانية»! ووعد الأميركيون، إذا تم ذلك «بتأمين الحماية للاتحاد الفيدرالي مباشرة ومن مجلس الأمن وإعلان العراق منطقة استراتيجية من الدرجة الأولى أمنها مرتبط بالأمن القومي الأميركي، بعد الطلب من إيران العودة إلى حدود ما قبل 2003 والعمل من خلال تمثيلها الدبلوماسي الرسمي في بغداد فقط، كما هي حال التمثيل الدبلوماسي العراقي في طهران»!

تبقى مشكلة في الشكل. ماذا سنسمي الأقاليم لتجاوز تسمية الإقليم السُّني، والإقليم الشيعي والإقليم الكردي كما قال «جو بايدن» نائب الرئيس الأميركي وغيره أكثر من مرة في واشنطن؟ بما يعني أن ما أورده «الحرس الثوري» ليس أمراً سرياً، وهو يندرج في سياق صراع الأمم الكبيرة والصغيرة على الإقليم، وبالتالي على مستقبل العراق، لكن الواضح: أن لا خلاص من «داعش» إلا بعد الموافقة على التقسيم. ثمن «داعش» التقسيم. والخطط جاهزة لذلك، وهذا يطرح أسئلة عن «داعش» وعن نتائج هذه العملية ومسؤولية كل الأطراف فيها، فما يجري في المقدادية على أيدي الميليشيات من تفجير للمساجد السنية وتهجير للسنة، ولم يمتثل أحد لمواقف ومطالب ونداءات المرجع آية الله السيستاني وغيره من القيادات الشيعية العراقية المدركة لمخاطر ما يجري! وعمليات الانتقام في بغداد وغيرها، وفي المدن التي تّم «تحريرها» من «داعش» بالتعاون مع الأميركيين لا تؤدي إلا إلى تأجيج المشاعر المذهبية، وبالتالي تكريس الأمر الواقع بالتقسيم! والأمر نفسه يجري في المناطق الكردية في العراق وبعد تحرير «سنجار» على سبيل المثال لا الحصر، وهو ما يجري على النطاق ذاته في سوريا، في المناطق الكردية «المحررة» من «داعش» وفي المناطق التي سيطر عليها النظام ومعه الميليشيات والقوى العسكرية اللبنانية والعراقية والأفغانية والإيرانية المدعومة من الحرس الثوري وتحت غطاء من القصف الروسي الجوي الجنوني وسياسة الأرض المحروقة. إذاً لا يكفي أن ينبه الحرس إلى هذه اللعبة الجهنمية الخطيرة التي تدفع إلى تقسيم العراق وغيره من الدول وإبقاء نار الحرب المذهبية السُّنية – الشيعية مشتعلة، بل ينبغي أن تتوقف هذه الممارسات الجارية تحت عنوان ردات الفعل على مظلومية حقيقية حصلت على يد صدام حسين هنا ويد غيره هناك. وهذه المظلومية أضرّت بالسنة وبأبناء العراق كلهم لاحقاً، وإنْ كانت أصابت الأكراد الشيعة في مرحلة معينة سابقاً، ثم لا يجوز فرض نوع من العقاب الجماعي على الناس ودفع الأمور نحو التطهير والتفجير والتهجير ليردّ عليها في أماكن أخرى بأعمال مشابهة، فتنتهي الأمور إلى ما يريده الأميركي ويفيد الإسرائيلي! لا يجوز أن يُدفع «السنة» إلى دفع الثمن على يد «داعش» الذي يستهدفهم بالدرجة الأولى، ثم إلى دفع ثمن «داعش» بسبب ما افتعله فيكونون الضحية في كل الاتجاهات.
ولا يجوز في الوقت ذاته نسيان أن هذا «الداعش» يستهدف المناطق السُّنية والمساجد الشيعية في آن معاً في مناطق ودول كثيرة كما يستهدف دولاً أوروبية وأفريقية وآسيوية، كما لا يجوز أن ننسى أن ما افتعله النظام في سوريا أدى إلى شعور الأغلبية السورية السنية بالقهر والظلم والاستبداد ثم بالتجويع والتهجير والقتل بالبراميل واستقدام كل أنواع الأسلحة والقوة العسكرية الرسمية (الروسية والإيرانية) والقوى العسكرية الشعبية غير الرسمية من هنا وهناك لتنفيذ سياسة الفرز والضم على الأرض، ولا يجوز في الوقت ذاته استهداف الشيعة كشيعة من أي طرف أو تنظيم أو دولة وتعميم انحراف فرد أو طرف أو محاولة دولة دفع الأمور في اتجاه فرض واقع سياسي معين في معادلة الإقليم، ونحن نشهد التوترات الطائفية في بلدان عربية أخرى.

المطلوب سياسة أكثر تعقلاً وإدراكاً لمخاطر ما يجري بعيداً عن الاستقواء والاستعلاء والمكابرة والخروج من دوائر «أسر المؤامرات». المؤامرات موجودة، ولا ينتظرن أحد خيراً من أميركا وإسرائيل وهما متكاملان، حتى لو فتحت حديثاً أبواب «الشيطان الأكبر» أمامه، وزعم هذا الشيطان تأكيد تحالفه مع أصدقائه القدامى، وقيادة «الحرس الثوري» معنية بذلك وقبلها قيادتها الروحية والسياسية؟

يكفي في الختام أن نتطلع إلى الخطر المحدق بـ«سدّ الموصل»، وإمكانية انهياره كما تحذر أميركا وتنبّه يومياً، وإدراك أن حدثاً من هذا النوع سيترك آثاراً مدمرة على العراق كله بكل مكوناته، فهل يكون ذلك ثمناً إضافياً للتخلص من «داعش» في ظل الحديث عن «معركة التحرير» التي أكد مسؤولو المخابرات الأميركية أنها ليست قريبة، والسبب أن البازار لم ينته بعد ولم يأخذ الأميركيون ما يريدونه؟