نتنياهو والخداع المكشوف

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

على مدى أسبوع شنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية الإرهابي بنيامين نتنياهو هجوماً متعدّد الاتجاهات، وأطلق مبادرات واتصالات مدافعاً عن «الإرهاب اليهودي»، رافعاً شعار أمن الدولة اليهودية، مفاخراً بموقعها وإنجازاتها. عرض في اجتماع الحكومة المصغرة شريط الفيديو الذي يوثّق «شبيبة التلال» وهم يرقصون في العرس مع السلاح والسكاكين وفي ذروة الاحتفال يبرز ملثم زجاجة حارقة وآخر يطعن صورة الطفل علي دوابشة، وقال: «كان مهماً أن نوضح مدى كون هذه المجموعة متطرفة وهامشية تتآمر ضد الدولة وقيمها». وتابع: «ثمة فرق بين الإرهاب اليهودي والإرهاب العربي! فالثاني أكبر بكثير من الأول. وخلافاً للإرهاب اليهودي الذي يحصل بحجم محدود فإن الإرهاب العربي يهاجمنا بلا انقطاع وهو بحجم أكبر بكثير. وفيما نحن نعارض الإرهاب اليهودي، فإن السلطة الفلسطينية تفاخر بالإرهاب العربي، وتطلق أسماء الإرهابيين على الميادين والشوارع تكريماً لهم»!

يحاول نتنياهو هنا أن يقدّم نفسه مسؤولاً يرفض الإرهاب، ولو اليهودي، ولذلك هو يواجهه، ولكن لا يعتبره بحجم «الإرهاب العربي». المشكلة ليست هنا. إنما في الإصرار على اعتبار من يدافع عن نفسه ومن احتلت أرضه، وسجن واعتقل وقتل أطفاله وأبيدت عائلاته في مجازر جماعية إرهابياً، أما الإسرائيليون جيشاً وأجهزة أمنية وعصابات فهم «مسالمون» ويريدون الأمن والاستقرار وهم الضحايا المستهدفون، وإذا خرجت قلة من الصهاينة وفعلت ما فعلته «شبيبة التلال» فهذا مستنكر! ويصرّ في الوقت ذاته على استهداف السلطة الفلسطينية التي رغم كل ما جرى تصرّ بدورها على التعاون الأمني مع إسرائيل ولم توقفه، ومع ذلك هو يتهمها بالإرهاب، لأنها وقفت إلى جانب أبنائها الذين يدافعون عن أنفسهم، فيما هو وحكومته وإرهابيوه لم يتقدموا خطوة واحدة لوقف الاستيطان والقتل الجماعي ضد الفلسطينيين!

Natanyahoo

في هذا المجال انتقد نتنياهو «بان كي مون» أمين عام الأمم المتحدة واتهمه بدعم الإرهاب، لأنه «تحدث عن خطر الاستيطان على العملية السلمية والأمن والاستقرار في المنطقة». وهي من المرات النادرة التي نسمع فيها كلاماً من هذا النوع، وسبب قوله اليوم هو تفاقم الخطر على الفلسطينيين والتوسع الإسرائيلي في مصادرة الأراضي والبناء عليها وتحدي ما يسمى المجتمع الدولي، وخصوصاً الاتحاد الأوروبي والقرارات الصادرة عنه بمقاطعة إنتاج المستوطنات وصولاً إلى «عزل» إسرائيل فعلياً. ولذلك انتقد هو بشدة الموقف الفرنسي الداعي إلى تحقيق تقدم في المفاوضات ضمن فترة زمنية معينة، وإلا سيكون اعتراف بالدولة الفلسطينية، وهذا ما جعله يتحدث بتوتر وفوقية في انتقاده لوزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس. وفي السياق ذاته، عاد ليهاجم السويد التي اعترفت بالدولة الفلسطينية منذ فترة وكانت البادئة في هذا المسار، فقال: «إن ثمة مقاتلين لداعش من السويد أكثر من عرب إسرائيل»! في محاولة لاتهام هذه الدولة بتصدير «الإرهابيين» إلى المنطقة. ويريد ثمن هذا الموقف وتكريس وجهة نظره بأن الإرهاب هو أساس المشكلة في المنطقة، ويستمر في ابتزاز العالم، مشيراً إلى العلاقات مع الدول العربية، قائلاً: «هناك تغيير. كنا في الماضي نظن أننا إذا حللنا النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، فإن هذا سينعكس على النزاعات الكبرى في المنطقة. ولكن كلما فكرت في ذلك أكثر أرى أن الوضع معكوس بالتحديد. من الجائز أن علاقاتنا مع العالم العربي ستساعدنا في حل النزاع مع الفلسطينيين»! التغيير الأشد دراماتيكية في الآونة الأخيرة هو التغيير في العلاقات بيننا وبين جيراننا العرب المعد لخلق شرق أوسط جديد من دون إسلام متطرف.

وختم حاملاً على العالم، مدعياً أن: «60% من قرارات هيئات الأمم المتحدة كانت ضد إسرائيل. باقي العالم 40%. سوريا، إيران، ليبيا.. إسرائيل هي الدولة الديمقراطية التي تعيش على نور حقوق الإنسان وحسب معايير إنسانية. هذا ميل قائم في الأمم المتحدة وفي الاتحاد الأوروبي ومحافل دولية أخرى». وتساءل: «أي البقر يدرّ أكبر كمية من الحليب؟ البقرة الإسرائيلية. كل شيء محوسب. في عام 2014 كان 10% من الاستثمارات الخاصة في حماية السايبر في العالم عندنا! في السنة الماضية هذا الرقم تضاعف. نحن قوة سايبرية عظمى»!

وفي الوقت ذاته ذهب في اتجاه اليونان وقبرص لعقد تفاهم حول النفط والغاز، في وقت كان يحاول فيه ترتيب الأمور مع تركيا ولم يصل إلى النتيجة المرجوة بعد، فراح في اتجاه ابتزازها، وهذا يفيد الروس الذين يواجهون تركيا، ويستفيد من ذلك نتنياهو في سوريا لضمان حرية حركته بالتفاهم التام مع الروس وقد استقبلوا موفداً منه لاستكمال وتكريس هذا التفاهم.

هكذا يرصدون في إسرائيل كل حركة وكلمة وموقف وقرار وتصريح وتصرف ويبحثون عن مصالحهم وإنتاجهم بما فيه البقر لمصلحة البشر، ونحن غارقون في أوهامنا ولا أقول في أحلامنا. وغارقون في أحقادنا بما لا يضمن مستقبل أولادنا وأحفادنا!