كيف تتعطل إنتخابات الرئاسة اللبنانية؟

د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

المواد 73 و74 و75 من الدستور تنصُّ على آلية إنتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية من قبل نواب الأُمة، بأغلبية الثلثين في الدورة الأولى، وبالنصف زائد واحد في الدورة الثانية، ونحن اليوم أمام مرحلة الدورة الثانية، لأن الدورة الأولى عُقِدت في 23 نيسان/أبريل 2014، وتوزعت أصوات النواب على 52 ورقة بيضاء وضعها نواب قوى الثامن من آذار و48 صوتاً لصالح قائد القوات اللبنانية سمير جعجع و16 صوتاً لمرشح اللقاء الديمقراطي النائب هنري حلو و 7 أصوات إعتبرت مُلغاة. ومنذ ذلك التاريخ، دُعيَ المجلس 35 مرة للإنعقاد ولم يكتمل النصاب.

والدستور لا ينصُ صراحة على نصاب الثلثين من أعضاء المجلس للدورة الثانية، ولكن الاجتهاد الدستوري إستند إلى رأي البطريرك الماروني السابق مار نصرالله بطرس صفير، عندما تمنَّى على نواب 14 آذار عدم إنتخاب رئيس بالنصف زائد واحد في أيار/مايو 2007 بديلاً للعماد إميل لحود المُنتهية ولايتهُ.

إستخدمت قوى 8 آذار هذا الاجتهاد لتعطيل نصاب جلسة الانتخاب، لأن هؤلاء لا يستطيعون جمع الأكثرية النسبية التي تمكنهم من إنتخاب رئيس من فريقهم، وكان فريق 8 آذار مُتفق علنياً على ترشيح العماد ميشال عون، ولكنه بالفعل لم يُجسِّد هذا الاجماع في صندوقة الاقتراع. ومع تطور الاحداث، بدا أن هذا الفريق لديه اكثر من رأي. كما أن فريق 14 آذار لا يمتلك رؤية موحدة في السياق ذاته.

يُعتبر عدم حضور النائب لجلسة إنتخاب رئيس للجمهورية من دون عذر صحي؛ مُخالفة للقانون في الفهم الدستوري. والدستور اللبناني لم يلحظ إلزامية الحضور – وهذه نقطة ضعف فيه – ولكن المُشرِّع يفترض ضمناً أن التغيُّب غير مسموح به، وعدم الحضور هو بمثابة التحلُّل من العقد الوطني، بحيث أن العرف الدستوري إستقرَّ في فرنسا، وغيرها من الدول أنه لا يجوز الاعتداد بالدستور لتعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما  عملية إنتخاب رئيس الجمهورية، لأن هذه المهمة تُعتبر الأسمى في سياق وظائف المجلس النيابي، ورئاسة الجمهورية هي مؤسسة لها إستقلاليتها في إطار المؤسسات الدستورية اللبنانية، وبالتالي ينطبق عليها مبدأ عدم جواز الفراغ في المرفق العام، وتكفي هذه المُقاربة لإعتبار كُل مَن لا يحضر جلسات الانتخاب من دون عذر شرعي أنه يُخالف الدستور.

من غرائب المُقاربات الدستورية في لبنان، الحديث عن نِصاب دستوري ونِصاب سياسي، ويجب أن يتحقَّق النصابان في جلسة الانتخاب لتكون العملية ميثاقية، وقد عبَّر النائب إبراهيم كنعان عضو تكتل التغيير والإصلاح عن هذه المقاربة بوضوح، عندما دعا النواب إلى الحضور والتصويت لصالح “الاتفاق المسيحي” الذي حصل بعد تنازل الدكتور جعجع عن ترشيحهِ لصالح العماد عون.

وإذا افترض كنعان أن هذه الدعوة في مكانها الدستوري، يعني أن الفهم القانوني للدستور اللبناني، لا ينطبق مع الفهم العام للقانون الدستوري الذي يُعتبر عقداً مُلزماً، لا يجوز الاستنسابية فيه، ولا يجوز تفسيره وفقاً لمصالح هذا الطرف أو ذاك؛ إلاَّ إذا كان هناك نية فعلية للتحلُّل من أحكام هذا الدستور، أو إجراء تغيير على مندرجاته.

واضح أن نوايا التعطيل ترتبط بمصالح سياسية كبيرة، وأغلبيتها ذات مُنطلق إقليمي خارجي؛ وهذا العامل يبدو أنه أقوى من الدستور برُمته، ولكن التسليم بهذا الأمر يعني قانوناً التسليم بكون الدولة تحولت إلى مجموعة من القبائل تُشبه “اللويا جيرغا” الأفغانية، أكثر مما هي دولة مؤسسات. وعندها يكون تخوُّف رئيس اللقاء الديمقراطي النيابي وليد جنبلاط في محله عندما قال: “يمكن ما بدهم رئيس نهائياً”.

المنطق السياسي والدستوري يفرض النزول إلى مجلس النواب، وليتبارى المُرشحَان الرئيسيان الحليفان نظرياً؛ عون وفرنجية – إذا كان غلاة الطائفية لا يعترفون بالمُرشح الثالث هنري حلو –  وليفز الأقوى منهما ويذهب الجميع لتهنئته.

وأي فرضية غير هذا الخيار مُقامرة بمصير الدولةِ برمتها، والمُعطلون يتحملون مسؤولية هذه المُقامرة.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

التوازن السياسي في لبنان

قراءة مختلفة لأحداث الأسبوع اللبناني الطويل

انفلات التخاطب السياسي في لبنان: أسبابه ونتائجه

هل هناك ما هو أبعد من تمثيل نواب «سنة 8 آذار» في الحكومة؟

الرأي العام اللبناني لا يريد التصعيد السياسي

هل انقلبت صفحة التفاؤل.. أم أن التعقيدات غيمة خريف وستنجلي؟

استحقاقات لبنانية داهمة

عن نظرية عدم حصرية تمثيل الطوائف في الحكومة

عن خطورة وخلفيات ما حصل في المطار

لقاء بكركي الذي حرّك السواكن الحكومية

ماذا تقول أوساط معارضة عن الأحجام السياسية؟

مصالح لبنان في سورية ومصالح سورية في لبنان

مواقف في خطاب عيد الجيش

ما مبررات مواقف «الاشتراكي» و«القوات» من تشكيل الحكومة؟

عن الانعكاسات الخطيرة لتوقف القروض السكنية

عن إشكالية حصة الرئيس الوزارية

عوامل التفاؤل والتشاؤم

مرحلة ما بعد الانتخابات والأحلاف السياسية

عن الآثار السياسية لاستبعاد النائب أنطوان سعد

لبنان: الحسابات السياسية تختلف عن الحسابات المالية