النازحون السوريون إلى لبنان: مأساة إنسانية متفاقِمة

 د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

العاصفة الرملية الغريبة التي ضربت لبنان في سبتمبر/ أيلول الماضي والعاصفة الثلجية الحالية، مروراً بما حصل قبل هذا التاريخ من هيجان وإضطرابات مناخية شديدة، كانت فيها درجات الحرارة تتدنَّى إلى مستويات قياسية، والامطار والثلوج تتساقط بفوضى طبيعية قلَّ نظيرها، كما أن شدة الرياح كانت لافتة بسرعتها في بعض الأيام الماضية وأدت إلى إقتلاع الأشجار والخيم؛ كل تلك العوامل كانت تزيد مأساة النازحين السوريين في لبنان تفاقُماً، وتزيدُ من عوامل معاناتهم، رغم أن الغُربَة وترك الوطن والأرض – وما يرافقها من ويلاتٍ يعانيها الذين فقدوا الأب والأخ والمُعيل – تعتبرُ مأساةً بحدِ ذاتها.

وقساوة الطبيعة اللبنانية تبدو عطوفةً قياساً إلى جوانب الإهمال والفقر والعوزِ التي يعيشها مُعظم هؤلاء النازحين. فحسب تقرير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأُمم المتحدة؛ فإن 950000 ألف نازح سوري من أصل 1113941 مُسجلين في قيود المفوضية في لبنان، يعانون من البرد القارس، ومن السكن في خيم أو في أماكن غير صالحة، وحياتهم مُهددة، وليس لديهم ما يكفي من الغذاء، فهؤلاء يعيشون على أقل من 3,84 دولار اميركي في اليوم لكل واحد.

المفوض السامي الجديد لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي – الذي جال على بعض مخيمات هؤلاء في ضواحي بيروت – قال: “لا يمكن الاستمرار بالتعامل مع أزمة إنسانية غير عادية بإجراءات عادية”، وطالب مؤتمر لندن للدول المانحة الذي سيُعقد مطلع الشهر القادم، بإن يأخذ إجراءات بمستوى الأزمة، فالمعالجة الضعيفة ستؤدي إلى نتائج وخيمة على الاوضاع في لبنان وتتمدَّد إلى مناطق أُخرى، لا سيما إلى أوروبا.

والمفوض السامي السابق أنطونيو غوتيريس؛ كان قد وصف المأساة السورية بأنها أكبر كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، حيث سجلت المفوضية 3989000 لاجئاً سورياً إلى دول خارجية في قيودها عام 2015.

لبنان طالب الدول المانحة بتأمين مساعدات بقيمة 1,87 مليار دولار سنوياً لتغطية أعباء النزوح السوري، ولم يحصل إلا على 763 مليون دولار، وبالتأكيد هذا المبلغ لا يكفي لتغطية الحاجات السكنية والغذائية والتعليمية والاستشفائية وغيرها، علماً أن أعداد كبيرة من السوريين متواجدين في لبنان منذ ما قبل العام 2011، وهؤلاء غير مُسجلين في قيود مفوضية شؤون اللاجئين، أو رفضت المفوضية تسجيلهم لعدم إنطباق صفة التهجير عليهم. ويضاف إلى هؤلاء ما يقارب 500000 لاجيء فلسطيني متواجدين على الاراضي اللبنانية.

لبنان يتكبَّد خسائر هائلة من جراء النزوح السوري، في اقتصاده وفي البُنى التحية وفي أعباء الأمن ض وفي البطالة المتفاقِمة بين صفوف شبابهِ، ولكن ذلك لا يُبرّر بعض التعاملات العنصرية مع النازحين السوريين، كالتصريحات الذي صدرت عن وزراء سياديين في الحكومة اللبنانية؛ تدعو إلى تشديد القيود على تحركات النازحين، أو طرد بعضهم من الأراضي اللبنانية، على خلفية مخاوف توطين جزء من هؤلاء في لبنان، وهذا الأمر غير مطروح نهائياً.

وما يزيد المأساة صعوبةً؛ التعقيدات التي يواجهها النازحين في أمور الأحوال الشخصية، والقيود للولادات الجديدة بينهم، كما في إفتقاد أغلبية منهم للمستندات التي تعرِّف عنهم، وتسمح لهم في ممارسة الحياة المدنية كلاجئين. ذلك أن عدداً كبيراً من هؤلاء النازحين لا يستطيعون مراجعة السفارة السورية في بيروت، لكونها تخدم الموالين للنظام فقط.

مؤتمر لندن القادم مدعو إلى وقفة إنسانية شاملة لتخفيف مأساة النازحين السوريين، والأهم أن الجميع يراهن على نجاح جولة الحوار الجديدة لأطراف الأزمة السورية، لعلها تكون خلاصاً للسوريين المُعذبين وللبنان في آنٍ واحد.

اقرأ أيضاً بقلم  د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

نظرية العزل السياسي سقطت الى غير رجعة!

الموازنة اللبنانية بين المعلوم والمَخفي!

التعقيدات التطبيقية في قانون الإنتخاب الجديد

عن فترة السماح السياسي للعهد

الحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الوطني الحر

عن الانتخابات والاكثرية والنسبية والطائفية وصحة التمثيل

الحكومة اللبنانية بين التكليف والتأليف والميثاقية

السلَّة والدستور اللبناني  

المختارة تُعيدُ التذكير بالفكرةِ اللبنانية

جهل بالتعاملات المصرفية ام قرار بقلب الطاولة؟

عن المزاج الشعبي بعد الانتخابات البلدية في لبنان

الانتخابات البلدية: حسابات القرايا* وحسابات السرايا

عن دور الدبلوماسية اللبنانية

كيف تتعطل إنتخابات الرئاسة اللبنانية؟

الإنعطافة القواتية!

2016: زمن الاعتدال ونوافذ الانفراج

الحكومة اللبنانية: إتفاق وإختلاف تحت سقفٍ واحد