الإنعطافة القواتية!

 د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

يقع التقارب بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر محل ترحيب من الأوساط السياسية المسيحية، ومن شريحة واسعة من القوى المُعتدلة، على إعتبار أن اي تقارُب، وأي حوار بين جهات مُتباعدة يُفيد في إخفاء جزء من “التشلُّع الوطني” القائم، ويمحي بعضاً من الانقسام العمودي المُتعِب الذي تعيشه البلاد منذ العام 2005، والذي يتغذى من الإصطفاف الحاد بين محوري 8 و 14 آذار.

لكن هذه القوى المذكورة أعلاه ترفض إعتبار التقارُب بين الفرقين كعامل حاسم يؤدي حُكماً إلى توحيد موقف الساحة المسيحية من ملف الرئاسة، على إعتبار أن هناك العديد من القوى المسيحية الأُخرى، والوازنة، تتمتع بنفوذ واسع، وبشعبية تاريخية موصوفة، ومن بين هؤلاء: حزب الكتائب اللبنانية وتيار المردة، وهما شريكين في لقاء بكركي للأقطاب الموارنة الاربعة الذين إجتمعوا بدعوة من البطريرك الراعي في العام الماضي لبحث مسألة الفراغ في سدة الرئاسة الاولى.

أصدقاء رئيس حزب القوات الدكتور سمير جعجع – قبل أخصامه – يأخذون عليه أنه “عايش عمهلو” في معراب، وصفاء الذهن الزائد عنده، يُشبه أحياناً التوتر الزائد، ذلك أن ظروف البلاد الصعبة؛ قد لا يناسبها هذا الصفاء، ولا تتحمَّل ذلك التوتر.

من حق الدكتور سمير جعجع التفتيش عن المخارج التي تُريح الساحة المسيحية من التشنُج، ووثيقة التفاهُم التي وقَّع عليها مع العماد ميشال عون في 2 حزيران/مايو 2015 فيها بعض المضامين التقاربية، ولكنها أغفلت الاساسيات. ومن هذه الاساسيات موضوع رئاسة الجمهورية، وموضوع التحالفات الداخلية والخارجية للفريقين.

الكلام الذي أطلقه مسؤولون أساسيون من القوات اللبنانية حول تحضيرات تتمُ لإعلان ترشيح الدكتور جعجع للعماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية؛ فاجأت الاوساط السياسية، لأن الخطوة ثقيلة من حيث تداعياتها السياسية، بصرف النظر عن بعض الدفع الذي قد تُعطيه لشخص العماد عون، المرشح اصلاً لموقع الرئاسة، ومن الناحية العملية فإن 6 أصوات تمتلكها القوات في مجلس النواب؛ ليست عاملاً حاسماً لإيصال عون الى الرئاسة.

ولكن سيكون للخطوة القواتية تأثيرٌ وطني ومسيحي عارم، إذا ما أُقترنت بالتوافق بين القوات والتيار على النزول فوراً إلى مجلس النواب والمُشاركة في إنتخاب الرئيس، بصرف النظر عن النتائج. عندئذ، بالتأكيد سيكون للإنعطافة القواتية تقدير عالي من كل اللبنانيين، وستبدو أنها ساهمت في إنقاذ البلاد من الفراغ. وحينها يتأكد أن القوات تعمل على لبننة الاستحقاق الرئاسي، بصرف النظر عن العوامل الخارجية التي لا يبدو انها تُساعد حالياً على إجراء الاستحقاق.

الانعطافة القواتية الجديدة ليست مزحة سياسية يمكن أن يستهلكها عامل الوقت، بل سيكون لها ارتدادات على علاقات القوات الداخلية والخارجية، وعلى مكانتها بين المكونات السياسية اللبنانية.

ويخشى أصدقاء القوات أن تكون حسابات الخسارة من جراء الإنعطافة الجديدة أكبرُ بكثير من حسابات الربح لصالحها. ففي موقفها الجديد ستبدو القوات في خندقٍ واحد مع حزب الله، وهذا بالتأكيد مُكلِف لها شعبياً وسياسياً، ولن يُعوضه بعض الربح من العطف الناتج عن مشاعر بعض مؤيدي التيار العوني، لأن الجمهور العوني بالاساس تجمَّع على مُخاصمة القوات، وإذا ما فرضت عليه الظروف فراغاً قيادياً، سيلجأ حُكماً إلى مرجعيات مسيحية أُخرى غير القوات اللبنانية.

لا يمكن تغطية ترشيح الدكتور سمير جعجع للعماد ميشال عون، بخطوة ترشيح الرئيس سعد الحريري للنائب سليمان فرنجية، فهناك إختلاف في شكل الخطوتين وفي مضمونهما.

أقلهُ ما بدا في مقابلة فرنجية التلفزيونية الأخيرة من إقتراب إلى نقطة الوسط، ولا يظهر أن العماد عون قد إقترب من هذا المكان بعد.

القوات اللبنانية لا يمكن أن تعيش في بيئة “المُمانعة” ولا هذه البيئة تستطيع أن تتحملها!

اقرأ أيضاً بقلم  د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

نظرية العزل السياسي سقطت الى غير رجعة!

الموازنة اللبنانية بين المعلوم والمَخفي!

التعقيدات التطبيقية في قانون الإنتخاب الجديد

عن فترة السماح السياسي للعهد

الحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الوطني الحر

عن الانتخابات والاكثرية والنسبية والطائفية وصحة التمثيل

الحكومة اللبنانية بين التكليف والتأليف والميثاقية

السلَّة والدستور اللبناني  

المختارة تُعيدُ التذكير بالفكرةِ اللبنانية

جهل بالتعاملات المصرفية ام قرار بقلب الطاولة؟

عن المزاج الشعبي بعد الانتخابات البلدية في لبنان

الانتخابات البلدية: حسابات القرايا* وحسابات السرايا

عن دور الدبلوماسية اللبنانية

كيف تتعطل إنتخابات الرئاسة اللبنانية؟

النازحون السوريون إلى لبنان: مأساة إنسانية متفاقِمة

2016: زمن الاعتدال ونوافذ الانفراج

الحكومة اللبنانية: إتفاق وإختلاف تحت سقفٍ واحد