المشهد السوري.. محاذير الاستعجال

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

لو جمعنا التصريحات والمواقف والبيانات الصادرة عن كل من البيت الأبيض والكرملين والقادة العسكريين في التحالفين الروسي والأميركي، المتعلق بآلاف الطلعات الجوية والضربات التي وجّهت إلى «داعش» وعدد المواقع التي دمّرت، وصهاريج النفط والآبار التي استهدفت، والمناطق التي تحرّرت، لكان من المفترض أن يكون هذا التنظيم قد انتهى أو على وشك الانتهاء. أما الواقع فيشير إلى أنه لا يزال يسيطر على مواقع كثيرة، ويكسب أموالاً وفيرة، وهذا أيضاً موجود في بيانات أخرى صادرة عن الجهات ذاتها، وتتحدث عن واردات التنظيم وقدراته المالية، ويتقدم في مناطق جديدة في ساحات القتال. فضلاً عن تمدده في اليمن وليبيا ووصوله إلى عواصم دول كبيرة، ونجاحه في اختراق ساحات ومجتمعات باتت تعيش قلقاً من تواجده. إذاً، أين هو نجاح التحالفين وغيرهما من القوى التي تقول إنها تقاتل «داعش»؟ نحن أمام استباحة كاملة لأراض ومجتمعات ودول تحت عنوان مكافحة الإرهاب. ولكل دولة «إرهابها» المنطلق من تعريفها للإرهاب وحساباتها الخاصة ومصالحها.

في سوريا، جاء التدخل الروسي تحت عنوان ضرب «داعش»، وكل الفصائل المعارضة انطلاقاً من التأكيد الرسمي الروسي أن كل المعارضات متشابهة، كما أعلن أكثر من مرة.

واللافت في هذا المجال التخبّط الذي ميّز المواقف الروسية الأخيرة. فالمعروف أن المسؤولين الروس قالوا في بداية تدخلهم إنه ليس ثمة شيء اسمه معارضة معتدلة، وأنه ليس ثمة شيء اسمه «الجيش الحر»، ثم أعلن عن زيارة عدد قادة هذا الجيش إلى موسكو، ثم قال الرئيس بوتين نفسه أمام كبار قادة جيشه في بداية هذا الشهر إن «بلاده تدعم فصائل من الجيش الحر»!

غريب، أين وجدوا هذا الجيش؟ كيف ولد؟ متى اكتشفوه؟ لماذا اعترفوا به؟

رئيس أركان الجيش الروسي «فاليري غيراسيموف»، أكد الموقف الذي أعلنه بوتين. لكن «ديمتري بيسكوف» الناطق باسم بوتين، قال بعد ساعات على كلام رئيسه إن روسيا تدعم الجيش النظامي وليس «الجيش الحر»! ناطق باسم الرئيس يناقض كلام الرئيس! خرج بعض المسؤولين الروس ليفسّر الموقف بأنه «تكتيك» «وتنسيق سري»، وسياسة لتضييع كل الآخرين! في النهاية إذا كان الأمر صحيحاً فهذا انقلاب على المواقف الأولى التي أطلقتها موسكو وكانت مخالفة للواقع. يعني «الجيش الحر» كان موجوداً ولا يزال موجوداً، فلماذا غيرت موسكو مواقفها؟ وإذا كان الأمر غير صحيح، فهذا يعني أن بوتين يطلق مواقف غير صحيحة، لا تندرج في خانة المناورات في مرحلة يتم فيها الحديث عن تشكيل وفود المعارضة والنظام إلى التفاوض و«الجيش الحر»، هو ركيزة أساسية في هذه العملية، وبالتالي لا يستطيع بوتين أو غيره إنكار هذا الأمر!

الأمر ذاته وقعت فيه الإدارة الأميركية في مرحلة سابقة وتحدثنا عنه في حينه، حيث كانت الإدارة تعتبر أنه ليس ثمة معارضة معتدلة، بل ستسعى إلى خلقها وذهبت في هذا الاتجاه من خلال برنامج التدريب الخاص الذي انتهى بأربعة أو خمسة عسكريين فقط! ووصفوا العملية بالفضيحة، هم أنفسهم قالوا ذلك في محيط أوباما!

عندما تدخلت موسكو عسكرياً في سوريا خرج الأميركيون إلى العلن ليقولوا إنهم يزوّدون المعارضة المعتدلة بالسلاح، ثم طوروا الموقف ليتحدثوا عن قوات كردية – عربية لمواجهة «داعش»!

في السياسة، ما جرى في الأيام الأخيرة من تحولات في المواقف الفرنسية والبريطانية لناحية المشاركة في ضرب «داعش» والتراجع عن شرط إزاحة الأسد الآن، وكذلك في موقف المعارضة التي اجتمعت غالبية فصائلها في الرياض، ثمة موافقة مبدئية على مفاوضات تنطلق بوجود الأسد. ويبقى الخلاف على انتهائها. هل يبقى الأسد فيها ولو لفترة ما أم لا؟ في هذا الوقت ستكون عمليات عسكرية – مشتركة أو غير مشتركة – ضد «داعش»، يعني سيستمر النظام مدعوماً من موسكو وإيران والميليشيات التابعة لها في مواجهة «داعش». وستعمل فصائل المعارضة الأخرى أو معظمها على الأقل مدعومة من أميركا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والسعودية وتركيا وغيرها من الدول في المواجهة ذاتها وفي ذلك ترجمة لرغبة أميركية سابقة!

في هذا الوقت يجري العمل لإغلاق الحدود التركية – السورية، مع الاحتفاظ بالإدارة الذاتية للأكراد في مناطق معينة. والبحث في ضمانات لحماية التركمان في مناطق أخرى، وبالتالي الموازنة بين مصالح الدول المختلفة إضافة إلى إعادة برمجة العمل على الساحة العراقية لسحب القوات التركية من الموصل، مع دور أساسي في ذلك لإقليم كردستان العراقي، والسعي إلى تفاهم مع الأميركيين لتحرير المدن الأساسية من «داعش» بعد تحرير «سنجار» من قبل الأكراد وإقامة إدارتهم الذاتية فيها حتى الآن!

في المقلب الآخر هدنة في اليمن، وموافقة أميركية بل دعم أميركي لـ«الحوثيين» بالذهاب إلى التفاوض في سويسرا دون إعلان موافقتهم مسبقاً على قرار مجلس الأمن! وفي هذا الموقف مسايرة كبيرة لإيران. كثيرون نسوا وهم يتحدثون عن حلول أو هدنات هنا أو هناك من لبنان إلى اليمن وسوريا، أن ثمة اتفاقاً وقع بين إيران وأميركا. والأسابيع المقبلة حاسمة في بدايات تطبيقه لناحية رفع العقوبات والدخول في امتحان النوايا والأفعال بعدها لاستثماره. مع الانتباه الدائم إلى تطور العلاقات الإيرانية- الروسية. على ضوء ذلك يمكن التطلع إلى إمكانية حدوث اختراقات آخذين بعين الاعتبار مجدداً أن مصالح روسيا لا تقف عند حدود سوريا. في الأساس تبدأ من أوكرانيا لتمر إلى حدود روسيا أما سوريا فكانت ساحة لتعزيز الدور الروسي! وقد أعلن الوزير «كيري» أنه سيتابع مع زميله «لافروف» وبتفويض من أوباما وبوتين العمل لإيجاد الحلول في سوريا وأوكرانيا. فهل ثمة أوضح من ذلك؟

حذار من الاستعجال، والغرق في تحليل التمنيات، فنحن لا نزال في البدايات.