العلاقة بين الإعلام التقليدي والإعلام الجديد

بقلم صلاح سلام

بداية فلنتطرق إلى تحديد مفهومي الإعلام التقليدي والإعلام الجديد.

يُقصد بالإعلام التقليدي وسائل الإتصال والتعبير التقليدية من التلفزة وقنوات الكابل والإذاعة والسينما واستوديوهات الموسيقى والصحف والمجلات والكتب والنشرات المطبوعة.

والخاصية المشتركة بين هذه الوسائل هي أنها إما مملوكة للدولة أو المؤسسات الإعلامية الخاصة والأفراد، وبالتالي فإنها عُرضة للرقابة والقيود، وكذلك عُرضة للاستغلال والتوجيه إلى ما فيه مصالح السلطة السياسية الحاكمة أو مصالح أخرى خاصة وشخصية.

أما الإعلام الجديد فقد أنهى الإحتكار، وهو إعلام حُرّ (وأحياناً فوضوي) خال من القيود والرقابة، وقد أصبح متاحاً لجميع شرائح المجتمع وأفراده، بحيث يُمكن لأي كان الدخول فيه واستخدامه والإستفادة منه ونشر أفكاره والتعبير عن آرائه بحُرّية مطلقة، طالما توافرت لديه خدمة الإنترنت، وأجاد استعمال أدواته من  حاسب آلي، أو هاتف ذكي، أو جهاز لوحي أو غيره، واشترك في واحد أو أكثر من مواقع التواصل الإجتماعي (ومعظمها مجّانيّة) كـالفيسبوك، وتويتر، واليوتيوب، والمُدوّنات (Blog)، وغيرها.

هذا الإعلام الجديد أتاح للإنسان العادي في الشارع، بكاميرته الصغيرة المحمولة، أن يلعب دور «المُخبر الصُحفي». وأصبح كل شخص قادراً على التفاعل مع الخبر ونقله وتوثيقه بالكتابة والصورة والفيديو. وهذا ساهم في سرعة نقل الخبر ونشره وتناقله، مما دفع القنوات الفضائية ووسائل الإعلام المقروءة للنقل عنه. ومما يُهدد، ولو جزئياً، دور إمبراطورية الإعلام التقليدي المُمولة بالمال والتقنيات والتي تُوظف موارد بشرية كبيرة.

كذلك وفّر الإﻋﻼم اﻟجديد خصائص جديدة ﻻ يوﻓرﻫﺎ اﻹﻋﻼم التقليدي منها القدرة ﻋﻠﻰ التفاعل المباشر والفوري (Interactivity)،  والإستجابة لحديث المستخدم تماماً كما يحدث في عملية المحادثة بين شخصين، وأيضاً التفضيل الشخصي للمعلومات عبر إتاحة الإمكانية لزائر الموقع لاختيار مواضيع أو خدمات معيّنة، وكما أسلفنا، سرعة نقل الخبر والصورة. وتبقى خاصّيته الأهم سرعة الانتشار والنفاذ، وعبور القارات، بل والدخول إلى المنازل وفي الأوساط كافة دون عوائق.

ما هو الوضع اليوم؟

للتذكير، عندما ظهر المذياع قيل أن دور الصحف انتهى، وعندما ظهر التلفاز قيل انتهى دور المذياع، واليوم يقال أن الإنترنت ووسائط التواصل الإجتماعي سوف تنهي دور الإعلام التقليدي. لكن التاريخ يُعلّمنا أن الوسائل الإعلامية تبقى وتتعايش وتتساند وتبتدع لنفسها خصائص وأدواراً جديدة تضمن لها البقاء.

الواقع أن الإعلام التقليدي يعاني أزمة حادة توزيعاً وإعلاناً، وهو مدفوع إلى مواجهة حقائق التغيير التي حصلت وتحصل، ودراستها وتحليلها للخروج بحلول مناسبة وعملية، وسُرعة تطبيق الحلول والتعامل معها والتكيف بأجوائها.

وهذا يطرح السؤال الأساس: إلى أين سيتجه الإعلام التقليدي وكيف سيركب موجة جديدة بأفكار جديدة تعطيه دوراً جديداً وتجعله قادراً على البقاء وربما المنافسة، بل تنقذه من خطر الإفلاس والإندثار لحساب إعلام الإنترنت السريع والرخيص والفردي الذي بدأ يستقطب حصة كبيرة من ميزانية الإعلان ويحرم الإعلام التقليدي منها، وبدأ يُقنع المُعلنين أنه الأقدر والأكثر والأسرع وصولاً للناس.

العديد من وسائل الإعلام التقليدي، وهي ما زالت تمتلك القدرة والشهرة والخبرة، أخذت تعيد تكوين نفسها، وتعيد بناء ذاتها، لتندمج في سرب الإعلام الجديد وتكون جزءاً منه، عبر خلق مواقع إلكترونية تابعة لها، واستخدام وسائط الإعلام الجديدة التي تُسهّل عملية التواصل مع الجمهور لمعرفة اتجاهاتهم واستقصاء مواقفهم واهتماماتهم، واستخدامها في كتابة التحقيقات والاستطلاعات الصحفية.

هكذا أصبح الإعلام التقليدي يتحدث عن الكثير من القضايا  التي يتم تناولها في الإعلام الجديد، والعكس صحيح، حيث إن الإعلام الجديد يعلق على الموضوعات المطروحة في الإعلام التقليدي، لذا يمكننا اعتبار أن الخط الفاصل بين الاعلام التقليدي والجديد أصبح خطا واهيا.

ونرى أن الاعلام التقليدي تبقى له مكانته لأنه يستقي الأخبار من المصادر، بينما الاعلام الجديد يعتمد أكثر على الرأي الشخصي والشائعات. ولا شكّ أن الاعلام الجديد حُمّل حجما اكبر من حجمه لكثرة المتعاملين معه من الشباب، أو لكثرة متتبعيه، ولكن ليس هذا مقياساً لتفوقه ولا يجعل منه بديلاً مطلقاً ونهائياً للإعلام التقليدي.

إن تراجع الإعلام التقليدي لم، ولن، يلغي أهمية ورصانة الوسائل الإعلامية التقليدية المتخصصة، فالواقع يشهد أن كثيرا من المُستخدمين والمتابعين لا يزالون يعتمدون على وسائل الإعلام التقليدي كمصدر أساس لنيل المعلومات، فهم لا يطمئنون إلا بمتابعة الأخبار من الجهات الإعلامية التقليدية الموثوقة.

والحقيقة أن الصحف استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية، لكن لم تجعلها نسخة طبق الأصل عن الصحيفة الورقية، بل حدّثت اخبارها وتابعت الأحداث أولاً بأول. وبديهي أن من يريد معرفة الحقيقة سيذهب إلى هذه المواقع الموثوق بها وليس إلى الحسابات الفردية التي تفتقر في كثير من الأحيان إلى السند والصِّدقية.

من جهة أخرى فقد وفّر الإعلام التقليدي أرضية خصبة للإعلام الجديد، عن طريق التسويق، فلولا الدعم والتشجيع الذي حظي به الإعلام الجديد من طرف الإعلام التقليدي، لما ظهر هذا الأخير إلى العلن بهذه السُرعة والإنتشار.

لا أجد جدوى من الحديث عن صراع بين الإعلام التقليدي والإعلام الجديد، بل أدعو بكل تأكيد إلى التكامل بين الوسيلة الإعلامية وبين التكنولوجيا المعاصرة والإستفادة منها، وبهذا يتجدّد الإعلام التقليدي مستفيداً من هذا الكمّ الهائل من الأدوات التي تجعله اقوى، من أجل الحصول على التميّز والتفرّد، مستفيداً من عراقته وموضوعيته وخبراته المتراكمة، في تطوير المحتوى الإعلامي نصاً وصياغة وصورة وشكلاً ومضموناً.

يبقى أن الإعلام الجديد هو أيضاً بحاجة إلى التطوير والتحديث، من خلال تحسين المضمون، والبحث عن طرق أفضل للتسويق، والعمل على التخليص من المساوىء التي تتمثل في عدم تمحيص المواد المنشورة، وعدم الثقة بالإخبار والمواد المتداولة. وصحيح ان الإعلام الجديد أخذ سقفاً عالياً من الحُريّة والمساحة، ولكن هذا لا يعفي الكاتب من أن يتقن المهارات الأساسية في الإعلام التقليدي.

ختاماً، أرى أن التطوّر سُنّة الحياة والكون، وعليه فإن العلاقة بين الإعلام التقليدي والإعلام الجديد يجب ان تتفادى الصراع وتتجه إلى التكامل. ويبقى التكامل بين النوعين، الخيار الأمثل للنجاح في عالم ينقسم إلى شقّ افتراضي وشقّ واقعي.

————————-

 (*) رئيس تحرير جريدة “اللواء”

(**) كلمة القيت في مؤتمر “الاعلام الجديد”

تنظيم مديرية الدراسات والمنشورات اللبنانية، وزارة الاعلام، أقيم في المعهد العالي للدكتوراه في الأداب والعلوم الانسانية والاجتماعية، سن الفيل في 2 و3 كانون الأول 2015