ما هي أهداف حركة طانيوس شاهين؟

جاء في القسم السياسي من وثيقة التأسيس ما يلي:

“حركة طانيوس شاهين” اتحاد طوعي لمواطنين ومواطنات على امتداد المساحة اللبنانية، ينشئون تنظيماً سياسياً يهدف إلى تمكين اللبنانيين من إعادة إنتاج شروط حياتهم في بلدهم، بكلفة أقل ومناعة أكبر.

سيعمل التنظيم الحركيّ على تطوير نفسه تباعاً حتى يكون حزباً سياسياً عريضاً، بالمعنى الحديث للكلمة، يملك قاعدة اجتماعية حيوية ومتنوعة، ومنابر وتيارات داخلية متعددة، وبرنامجاً وطنيا موحدا. يتطلّع الحزب للتعبير عن مصالح العدد الأكبر من السكّان، ويستخدم الوسائل الديموقراطية السلمية كلها بشكل دؤوب ومثابر للوصول إلى السلطة وتطبيق رؤاه وخططه، وتثبيت تداول السلطة وصيانة الفصل بين السلطات.

تتأسّس الحركة في لحظة احتدام عسيرة من تاريخ لبنان والشرق العربي.

إقليمياً، تترنّح الانتفاضات الشعبية التي اصُطلح على إجمالها تحت مسمّى “الربيع العربي”. يعود ذلك في جزء أساسيّ منه إلى الفشل الذريع لنماذج الدولة المركزية في المنطقة.

فقد تحولت الدولة المركزية إلى مطيّة للطغيان العسكري والحزبي الأحادي والفئوي المذهبي، وباتت جهازاً ورث عن الاستعمار الأوروبي أساليب فرزه واضطهاده للسكان الأصليين، عبر محاكاة جزئية ومشوّهة لمفهوم الدولة الوطنية الحديثة. لذا، ترافق انهيار هذه الأنظمة المعادية لمجتمعاتها، والمبدّدة للثروات والخيرات والطاقات، والمعادية للمناخ والبيئة، مع انهيار أسس الكيانات الوطنية والمجتمعات المحلية.
في المقابل، امتنعت النخب والتيارات الأكثر تقدماً في هذا “الربيع” عن كل ما من شأنه إعادة النظر في نموذج الدولة المركزية. بل راهنت على تقويم مركزية هذه الدولة، فانساقت أسيرة ثنائية مطلقة بين “الشعب والنظام” ما قزّم احتمالات السياسة، وحال دون طرق باب الطرح الذي نقترحه هنا انطلاقاً من سياقنا الوطني: الشروط المؤدية لانبثاق عقد اجتماعي له شروط ديمومته وتجدّده في كل بلد عربي خلافاً لأشباه العقود الاجتماعية التي تآكلت وفسدت.

ف”حركة طانيوس شاهين” كما نريد لها أن تكون، هي حركة النضال من أجل العقد الاجتماعي الحقيقي والمتكامل القادر على استيعاب كل اللبنانيين، وكامل المساحة اللبنانية. نراه عقداً ثلاثي الأبعاد:

– عقد اجتماعي بين الأفراد يضمن لهم حقوقهم الأساسية والاقتصادية.

-عقد بيئي على مستوى كل رقعة من لبنان، وكذلك بين المناطق أو الأقاليم.

-عقد لامركزي شامل، نتجاوز من خلاله الجسم المشوّه ذا الجسد الهزيل والرأس المنتفخ والمعطّل، إلى جسم اجتماعي معافى ومتّصل بالأرض والطبيعة والحياة، مقدار اتصاله بالحب والسعادة وبالأجيال الآتية.

سنعمل على بناء هذه الحركة كتنظيم لامركزي من أجل لبنان بيئي اجتماعي بمجتمع لامركزي ودولة لامركزية.

سنعمل على توضيح وتصحيح وتوسيع مقاربتنا البيئية الاجتماعية اللامركزية لمختلف الأمور. وقد اخترنا اسم قائد انتفاضة فلاحي كسروان عام ۱۸٥۸ طانيوس شاهين ليكون اسماً لهذه الحركة كفعل انتساب إلى تاريخ لبنان الاجتماعي والانتفاضي الشعبي، وكي نأخذ عبرة من المتاهة المحبطة التي دخلتها يومذاك انتفاضة طانيوس شاهين ورفاقه، الذين تلقفوا فكرة العقد الاجتماعي بشكل بدائي وهشّ. دخلت في متاهات مشابهة بعد ذلك، سلسلة عشوائية وغير محصورة من مشاريع التغيير السياسي والتحديث الاجتماعي في هذا البلد.

لذا، وبالتوازي مع شخصية طانيوس شاهين نصف التاريخية ونصف الفولكلورية، اختار “فنانو” حركتنا طائر الدوري رمزاً وشعاراً. هذا الطائر الذي لا يزال له موطئ قدم في بلدنا رغم طيش البارود.

الدوريّ ذو اللحم المرّ، والمتواجد سواء بسواء في الغابات وبين المزروعات وفي المدن والجبال وعلى السواحل. يتميز بالمهارة وسرعة التأقلم والقدرة على المناورة والإفلات من الخطر.

مع ذلك، ما كان دوريّنا ليطير من جديد وتخفق له قلوبنا وتتشابك عقولنا، لولا مفارقات اللحظة الراهنة في لبنان.

لقد تقاطعت مراوحة المعادلات السائدة مع حيوية استعادها الشارع على خلفية أزمة النفايات المتواصلة، بشكل متنافر. انكشفت معه سياسات الاستهتار الحكومية المتعاقبة في هذا البلد. هذا الاستهتار ما هو في النهاية إلا انعكاس لواقعة أكثر شمولية: الموت السريري لمؤسسات “الجمهورية الثانية”. أرادت هذه الجمهورية أن تقيم ميثاقاً وطنياً على غير العقد الاجتماعي، فكانت طيّعة للوصاية السورية مدة خمسة عشر عاماً، لتطلق بعد الجلاء السوري العنان، أكثر من ذي قبل، لمشاريع التغلّب الفئوي بأرصدة متفاوتة من التعبئة والعنف.

يتكامل الموت السريري لمؤسسات “الجمهورية الثانية” مع انسداد قنوات التفاوض الاجتماعي وترهّل الأطر النقابية. أما الاحتكام إلى السلاح في النزاعات الأهلية فتسنده جبال من الفساد والهدر ومديونية بأرقام قياسية. كل هذا أدّى إلى نضوب مصادر الشرعية، بالتوازي مع التدخل في الحرب السورية، والانشطار على خلفية قانون الانتخاب، وتمادي الشغور الرئاسي.

دخلنا في مرحلة لا ترتجى فيها قيامة “الجمهورية الثانية” لكنها مرحلة انتقالية ستأخذ وقتاً طويلاً، لا سيما وأنها مرحلة محكومة إلى حد بعيد بتداعيات التدخل الفئوي في الحرب السورية، والحركة تنادي بكل وضوح إلى وقف كافة أشكال التدخل اللبناني في هذه الحرب.

يبقى أن الرهان الأساسي لحركتنا هو الدفع في اتجاه البرنامج المتطلع لانبثاق العقد الاجتماعي البيئي والدولة اللامركزية.

جاءت أزمة النفايات في صيف ۲۰۱٥ ، والحراك المدني الشعبي، لينبهانا جميعاً إلى حيوية تحرّك إرادة العمل فينا. ويعني ذلك دعم الحراك والانخراط فيه وحمايته من كل محاولات تشويهه أو حرفه عن مساره الاجتماعي. كما يعني ذلك وبالتوازي، طرح الأزمة اللبنانية على مصراعيها، كأزمة انهيار أشباه العقد الاجتماعي، وأزمة البحث عن عقد اجتماعي جديد.

لأجل كل ما تقدّم، ترى حركتنا، ضرورة الانطلاق من المداخل التالية في اتجاه صياغة العقد الاجتماعي البيئي اللامركزي:

۱. مسخ الدولة المركزية المعطّلة جاثم على صدور اللبنانيين اليوم. سمته العامة تفاوت الاحتكام إلى القانون، واستنسابية وتفاوت حضور معالم الدولة وخدماتها بين المناطق اللبنانية.

رؤيتنا اللامركزية لا تنفصل عن رؤيتنا للسيادة الوطنية، والاحتكام المتساوي والشامل للقانون على كامل أراضي الجمهورية اللبنانية.

الرؤية اللامركزية للسيادة الوطنية هي التي تجعل من إصلاح العلاقة المختلة بين المناطق اللبنانية معبراً أساسياً لتأمين الحل السلمي للنزاعات بين الجماعات الأهلية، واضعافاً تدريجياً لنزعات الاستئثار والغلبة المستندة إلى أرصدة من العنف.

كذلك، يعتبر التعاقد المعافى بين اللبنانيين، وفيما بين مناطقهم، الشرط اللازم للمناعة الوطنية في وجه أي اعتداء أو هيمنة خارجية.

۲. استهلكت “الجمهورية الثانية” نفسها وهي تناقش “قانون انتخاب عصرياً يراعي صحة التمثيل” على ما ردّده الجميع ضد الجميع تقريباً، ولا امكانية لتضمين هذا الشعار أي شيء مفيد طالما أن النية في الحفاظ على الدولة المركزية قائمة.

الرؤية اللامركزية لحركتنا تنحو بشكل واضح نحو قانون انتخابي يعتمد الدائرة الفردية خارج القيد الطائفي.

۳. ترى الحركة أن القضاء المستقل والعادل هو المدخل الرئيس لهذا العقد الاجتماعي الجديد، إيماناً منها بأنّ هذا القضاء هو الركن
الأساسي لتخلي الأفراد عن السيادة الجزئية على أشخاصهم ضمن العقد. من هنا، فإن المدخل العملي لتجاوز حالة الموت السريري
ل”الجمهورية الثانية” نحو نظام دستوري تعدّدي جدّي يكون بالضغط الشعبي المتواصل من أجل اطلاق “حراك القضاء”.

٤. تدعو الحركة وبشكل فوريّ إلى حل المجلس الدستوري بعد أن أثبتت تجربته في العقدين الأخيرين فشله الذريع في مراقبة دستورية
القوانين. فقد عجز المجلس في الحؤول دون التعديلات التعسفية على الدستور والتمديد الكيفي للمجلس النيابي، ودون إقرار قوانين انتخاب مجافية لمبدأ المساواة بين المواطنين. وتعتبر الحركة أن سقف مراقبة دستورية القوانين لا يكفي، وتدعو إلى استبدال المجلس الدستوري بمحكمة دستورية عليا منتخبة، تتعدى النظر في دستورية القوانين، إلى ضمان ملء الفراغ الدستوري في حال الشغور الرئاسي، وتكون المرجع الصالح لضمان الحقوق الدستورية للمواطنين.

٥. آن الأوان لاعتماد تجربة انتخاب المدعين العامين في مختلف الأقاليم، بالاقتراع العام المباشر من المواطنين، وهذا ركن أساسي
لاستتباب قضاء مستقل وعادل ولامركزي.

٦. “اللامركزية الإدارية” هرطقة دستورية؛ واللامركزية الصحيحة تستدعي مباشرة الغاء المحافظين والقائمقامين المعينين وإعادة النظر
في التقسيم الإداري للبلاد بما يفضي إلى ولادة لبنان الأقاليم، حيث ينتخب كل إقليم مجلسه، لوضع سياساته الإدارية والإنمائية والاجتماعية.

۷. تشدّد الحركة على ضرورة منح المواطنيين حرية الاختيار للمشاركة في الانتخابات، البلدية في مرحلة أولى، بين مكان النفوس أو
مكان السكن.

۸. لطالما كانت البنية المشوّهة للسياسات التربوية والتعليمية عائقاً أمام تشكيل العقد الاجتماعي. تصعب المكابرة على تردّي أحوال التعليم الرسمي والجامعة اللبنانية، والتفاوت بين فروعها، وأزمة التفريع. كذلك لا تجوز المصادقة على تفريخ الجامعات الخاصة غير المطابقة للمواصفات.

ترى الحركة أن المدخل التربوي للعقد الاجتماعي يكمن في إعادة تحديد المراكز الجامعية وتوزيعها أو اختصاصها بحسب الحاجات الواقعية للأقاليم.
الاصلاح التربوي مهمة تعني الجيل الشاب برمّته، بطلابه وأساتذته ومعلّميه.
والتشديد هنا على مشاركة الطلاب في إصلاح الأجسام التعليمية والتربوية، بما في ذلك المشاركة في وضع المناهج، والرقابة على الادارات، لتعزيز الحريات الأكاديمية، وحماية مجانية التعليم والزاميته، وتوسيع قاعدة الشراكات مع الجامعات العربية والأجنبية.

۹. تؤكد الحركة دعمها المطلق للعدالة الجندرية ونضال النساء لتأكيد حقوقهن الكاملة في المجتمع لاسيما حمايتهن من كل أنواع التعنيف والتمييز في القوانين والسياسات. كما تدعم الحركة كافة الأفراد والفئات الاجتماعية في نضالها لضمان حق كل شخص في السيادة التامة على جسده.

تؤيد الحركة نضال المجتمع المدني من أجل قانون مدني اختياري للأحوال الشخصية، مبني على المساواة بين الجنسين.

۱۰ . لقد أظهرت تجربة “الجمهورية الثانية” في ظل الوصاية السورية، وأيضاً بعدها، أن وزارتي العمل والداخلية لعبتا دوراً معاديا بشراسة للحركة النقابية، وساهم في ذلك، السلوك والممارسات التي اعتمدها من تعاقب على رئاسة “الاتحاد العمالي العام”. إن كف يد هاتين الوزارتين عن الحركة النقابية هو المدخل الأولي لتفعيل العمل النقابي.

تشدّد الحركة على حرية العمل النقابي في القطاعين العام والخاص.

۱۱ . لطالما طُرحت “اللامركزية” في لبنان كمفهوم إجرائي بحت، منقطع الصلة بالاقتصاد الوطني وتوزيع الثروات، ومشاركة المواطن في تحديد حاجاته المعيشية والرقابية والصحية والبيئية. إنّ الحركة تربط اللامركزية بإعادة توزيع الثروة تبعاً لحاجات الأقاليم اللبنانية وأولوياتها، وحاجات الشرائح الاجتماعية المهمّشة منذ عقود طويلة.

۱۲ . حماية التنوع البيئي وإعادة تمكين الغابات وإيلاء أهمّيّة قصوى للتحريج واكساب مدننا الكالحة مساحات خضراء وفضاءات عامّة، وإيلاء التخطيط العمراني اهتمامًا اجتماعياً مدروسًا برؤية إنسانية، والمحافظة على الإرث وتنميته وإحيائه، وإصلاح قوانين البناء وفرض معايير تُخفّف من وحشيّة عمليات الإنشاء وضراوتها، وربط استعادة الدولة لأملاكها البحريّة بخطّة شاملة لتنظيف الشطآن والسواحل والمياه الإقليميّة.

۱۳ . لا ترى الحركة أي جدوى في استمرار الاعتماد شبه الكامل، ضمن نهج السلطة المركزية، في إنتاج الطاقة على الموارد النفطية. من هنا نشدّد على أهمية المقاربة البيئية اللامركزية لموضوع الطاقة، والعمل تدريجياً من أجل إقرار إنتاجها بمئات وحدات الإنتاج متعددة المصدر، والمتصالحة مع البيئة وشروط العيش الآمن والصحي للسكان (الطاقة الشمسية والنهرية والهوائية).

۱٤ . إنّ استعادة الاقتصاد اللبناني للتوازن الصحي بين قطاعاته الإنتاجية، يستدعي إعطاء الحرية لكل إقليم في تحديد حاجاته التمويلية لتنفيذ مشاريع صناعية وسياحية. كما أنّ اللامركزية الاقتصادية تتكامل مع الإحياء الزراعي، ليس فقط في الأرياف والسهول الداخلية والساحلية، بل أيضاً في البيئات المدينية. يستوجب الإحياء الزراعي أيضاً التحرك الدؤوب لأجل تعميم الأساليب والتقنيات المتصالحة مع سلامة التربة والتنوع الحيوي.

۱٥ . تنظر الحركة إلى إحياء سكة الحديد كمدخل مهم لتخفيف التمركز الإداري والسكاني حول بيروت، وتدعو إلى المباشرة في وضع مناقصة دولية لإعادة ترميم وتشغيل سكة الحديد على طول الساحل من شماله إلى جنوبه كخطوة أولى على أن يليها الربط بين الساحل والداخل اللبناني.

۱٦ . إعادة الاعتبار لمفهوم التخطيط في لبنان لا سيما في المشاريع العابرة للأقاليم كقطاع النقل والمواصلات والمرافق المشتركة والمعابر
الحدودية، بسبب دورها في تعزيز الروابط الاقتصادية والوطنية.

۱۷ . إلغاء صناديق “الجمهورية الثانية” (صندوق المهجرين، ومجلس الجنوب)، ومجلس الإنماء والإعمار. وتشدد الحركة بالتوازي على
العمل الاستباقي اليقظ والمستمر كي تتوزع الموارد المباشرة الناتجة عن قطاع النفط والغاز في المستقبل بشكل عادل بين أقاليم لبنان، وبشكل عادل بين الأجيال، من خلال لحظ خطط إدّخارية شفافة.