مُشكلة السجون اللبنانية وابعادها الامنية والسياسية

د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

تكبُرُ قضية السجون في لبنان مع تدحرُج كُرة اللهيب الاقليمية، وتتمدَّد ليصِلَ اشتعالها إلى الغُرف المُظلمة في أماكن احتجاز المُرتكبين، وهي أقرب إلى كونها أقبية إعتقال، أكثرُ مما هي أماكن إقامة لموقوفين، منهم مَن حملتهم افعالهم الشنيعة إلى ذلك المكان، ومنهم مَن تورط – ربما عن غير اصرارٍ وتصميم – في لعبةٍ قذرة، قادته إليها أجهزة استخباراتية سوداء، امتهنت الاستباحة لتحقيق مرادها، بصرف النظر عن مأساوية النتائج.

في لبنان 32 سجناً، لا تتمتَّع معظمها بالمواصفات الحديثة لإقامة المحكومين، واغلبيتها أُنشئت في “السرايا الحكومية” التي بُنيت أيام الإحتلال العثماني، وفي حقبة الانتداب الفرنسي، وهي موزعة على المناطق اللبنانية، ولكن السجن المركزي الحديث في بلدة رومية في قضاء المتن، يبقى الحلقة المركزية التي تتقاطع عندها المُشكلات الإنسانية مع الازمات السياسية مع الاخطار الأمنية الكبيرة.

سجن رومية بُنيَ بمواصفات فيها شيء من المراعاة لأوضاع السجناء، الصحية والنفسية، ويتمتع بمناخ متوسط مُلائم للإقامة على مرتفع جبلي وقريب من الساحل، إلا أن المُعضلة الكبرى هي ان السجن مُخصص لإستيعاب 3840 شخص، بينما يُحشَر فيه اليوم اكثر من 4800 سجين، ومن بين هؤلاء السجناء يوجد 664 موقوف بتهم ارهابية، وهؤلاء وفقاً للمايير الدولية، يجب أن يوضعوا في زنزاناتٍ مُنفصلة، للحدِ من خطرهم داخل السجن، ولعدم تمكينهم من الاتصال بعضهم مع البعض الآخر، وهذا الأمر غير مُتاح في لبنان، لعدم توافر أماكن واسعة للإحتجاز.

تترابط مُعضلة السجون في لبنان مع الازمات الإقليمية المُتفاقمة، لا سيما الأحداث الدامية في سوريا. وقد سبق تصدير الصعوبات السورية إلى لبنان قبل تاريخ اندلاع أعمال العُنف هناك في العام 2011. ففي أيار/ مايو 2007 وقعت مواجهات عنيفة بين الجيش اللبناني ومجموعات إرهابية جاءت من سوريا تحت إسم ” فتح الإسلام” في مُخيم نهر البارد للآجئين الفلسطينيين في شمال لبنان، واسفرت هذه المواجهات عن اعتقال مئات من هؤلاء، وتمَّ وضعهم في سجن رومية، وهم من جنسيات عربية واسلامية مُختلفة. ومن جراء تواصلهم مع بعضهم في السجن، سيطروا على القسم – ب – بمجملة، ومنعوا القوى الامنية المُولَجة رعاية الموقوفين من دخول هذا القسم، حتى أنهم مارسوا أعمالا إجرامية داخل السجن، بما في ذلك إعدام أحد المُتهمين بالتعاون مع سلطات السجن من القاطنيين بينهم.

وكرَّت سُبحة التوقيفات لمُرتكبين على الأراضي اللبنانية، من الجنسيات السورية والاجنبية، على خلفية الاوضاع المُتفاقمة في سوريا والعراق، إلى أن أصبح عدد الموقوفين من هذه الفئات يتجاوز 50% من الموقوفين في السجون اللبنانية البالغ عددهم ما يُقارب ال 7000 سجين من بينهم 2353 من الجنسية السورية.

إدارة السجون في لبنان مُناطة بقوى الامن الداخلي، خلافاً لما ينص عليه قانون السجون الصادر في العام 1949، الذي اناط المهمة بوزارة العدل، ذلك لأن السلطات اللبنانية قدَّمت الاعتبارات الأمنية على الاعتبارات الرعائية والاصلاحية، نظراً لخطورة المهمة، وقياساً إلى شراسة عدد كبير من الموقوفين، لاسيما منهم المُتهمين بالقيام بأعمال إرهابية، ووزارة العدل غير مُهيأة للقيام بهذه المُهمة الشاقة.

اغراق السجون اللبنانية بالموقوفين الخطرين من جنسيات غير لبنانية، القى بظلاله الثقيلة على الملف مما حدا بالسلطات القضائية إستحداث قاعة كبيرة للمحاكمة في سجن رومية، توخياً من خطورة نقل الموقوفين الذين ينتمون الى مجموعات ارهابية إلى قصر العدل في بيروت، لأن قوافل نقل هؤلاء قد تتعرض لعمليات ارهابية، بهدف قتل بعضهم، أو إطلاق سراح البعض الآخر على الطريق.

الانتفاضات التي تحصل داخل السجون اللبنانية، ولا سيما في سجن رومية المركزي، مُبرَّرة، لأن مستوى الخدمات مُتدني إلى حدودٍ كبيرة، والحجة عن ذلك التقصير من قبل وزارة الداخلية مشروعة، لكون العدد الموجود في السجون اليوم، يبلُغ ضعفي ما تستطيع السجون استيعابه، مما حدى بمجلس الوزراء في جلسة29/4/2015 رصد اعتماد بمبلغ 30 مليون دولار اميركي لبناء سجن اقليمي كبير، قادر على استيعاب الاعداد المُتزايد من السجناء، وذلك بعد ان وقعت أحداث خطيرة في 20/4/2015  في سجن رومية، وكادت أن تودي بحياة مجموعة من العسكريين والاطباء الموُلجين رعاية السجناء.

تزايُد أعداد السجناء أصبح مُعضلة تواجه السلطات اللبنانية المُنهكة، والسبب الرئيسي لهذا التزايُد الصراعات الدموية في الدول  المُحيطة بلبنان والتي أدت إلى نزوحٍ كثيف اليه، خصوصاً من سوريا، حيث اصبح عدد هؤلاء 1,2 مليون نازح مُسجلين في وكالة غوث اللاجئين التابعة للأُمم المتحدة، واكثر من 1562400وفقاً لإحصاء شركة ستاتستيك ليبانون المعروفة.

وبطبيعة الحال فإن أعباء هذا العدد الكبير ثقيلة على لبنان، من الناحية الخدماتية، ومن الناحية الامنية على وجه الخصوص، لأن البُنية التحتية للأمن والقضاء في لبنان ليست مُهيئة لإستيعاب مشكلات هذا العدد الكبير.

وبطبيعة الحال، فإن ارتكابات عدد كبير من الموقوفين غير اللبنانيين في السجون اللبنانية من النوع الصعب الذي يرتبط بتفاقُم التوترات الاقليمية.

اقرأ أيضاً بقلم د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

الشراكة السياسية المهددة

عن لبنان النظيف

زيارة الحريري الى واشنطن.. ما لها وما عليها

جنبلاط في الفاتيكان: المرحلة ليست عادية

مواد مُتفلِّتة في الدستور اللبناني تُربك عمل المؤسسات

قرار رئاسي دستوري، ولكنه مُخيف

بعض ما لم يُقل عن لقاء المختارة

النسبية وبرنامج الحركة الوطنية

عون وجنبلاط والتفهُّم والتفاهُم

اولى قرارات الحكومة لا تشبه البيان الوزراي

حزب الله والواقعية السياسية

لبنان والرياح التأسيسية واللقآت النادرة

لبنان أمام مرحلة من الاختناق السياسي والإقتصادي

محاكمة سماحة: خبرٌ عادي لإعترافات غير عادية

نيسان 1975 ونيسان 2015!

عن الصحافة اللبنانية ونقابتها

حول المؤتمر الـ 13 لحركة أمل

تسريبات غير صحيحة حول الملف الرئاسي

لبنان لا يتحمَّل تجاذبات حول الملفات العسكرية

عن فاتورة دواء مُعالجة مرض الفراغ الرئاسي