محاكمة سماحة: خبرٌ عادي لإعترافات غير عادية
د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)
25 أبريل 2015
كشفت جلسة إستجواب الوزير السابق ميشال سماحة – الموقوف بجرم نقل متفجرات من سوريا والتحضير لعمليات إغتيال وتفجير على الساحة اللبنانية بأمر من مسؤول سوري كبير – أن رموزا الساسية من النظام في سوريا كانت تعمل بكل إمكانياتها لتفجير الساحة اللبنانية، بعد أن تصاعدت الانتفاضة الشعبية في وجههم هناك. وبيَّنت إفادات سماحة رداً على أسئلة رئيس المحكمة العسكرية العميد إبراهيم خليل، أن القيادات الأمنية السورية تستخدم رجال السياسة لخدمة الأمن، وهذه الاعترافات كان يمكن أن تحدِث زلزالاً اعلامياً لولا الضجيج الهائل الذي يترافق مع تطورات أحداث اليمن، وشهادات المحكمة الدولية في لاهاي.
سماحة الذي يقبع في السجن منذ 9 آب/ أغسطس 2012 إعترف أنه نقل 24 عبوة ناسفة ومبلغ 170 ألف دولار أمريكي بسيارته، تسلمهم من اللواء السوري علي مملوك، وكان سيُعطيهم لعملاء بهدف تفجير هذه العبوات في مناطق لبنانية مختلفة – لا سيما في الشمال – لإغتيال شخصيات سياسية ودينية معارضة للنظام في سوريا، ولتفجير أماكن عامة ومساجد، لإحداث إضطرابات امنية، وإشعال إقتتال بين اللبنانيين.
وأجوبة سماحة العلنية أمام مُحققي المحكمة العسكرية في 20/4/2015، أشارت بوضوح إلى الأسلوب الذي كانت تعتمده الأجهزة الأمنية السورية، بحيث يبدو واضحاً أنها تعتمد على تسخير كل العلاقات السياسية وغير السياسية من أجل الأمن، والامن عندها يهدف إلى حماية النظام بالدرجة الأولى ، بصرف النظر عن المصالح الشعبية.
بالإضافة لإعترافاته التي تتعلق بنقل المتفجرات والتخطيط لإعمال إرهابية إعترف سماحة أنه كان يجمع المعلومات الأمنية لصالح النظام من خلال موقعه النيابي والوزاري السابق في لبنان، ومن خلال صداقاته مع المسؤولين الأجانب، لا سيما مع الفرنسيين، وهو لم يخفِ كونه مَدِين للنظام بوصوله إلى المواقع القيادية، على غرار كثيرين تولوا مواقع مسؤولية في لبنان، إبان مرحلة الوصاية السورية السابقة.
مجموعة من العِبَر، يمكن إستنتاجها من إعترافات سماحة أمام محكمة بيروت العسكرية، لعلَّ أهمها بما يلي:
أولا: كشف أسرار أحداث أمنية سابقة، تترابط فيها السياسة مع الأمن، لا سيما في سياق تعاطي الأجهزة السورية، وفي أن الأدوار الأمنية لبعض المسؤولين الذين كانوا على صداقة مع الأجهزة السورية هي التي قادتهم للوصول إلى المناصب السياسية، حيث الاعتبارات الأمنية في الأجندة السورية تتقدم على ما عداها من إعتبارات. وسماحة في كشفه لتلك المُقاربة، أوضح مجموعة من الخفايا التي تقف وراء وصول بعض المسؤولين السابقين إلى مواقعهم، ومنهم رؤساء.
ثانياً: تؤكد إعترافات سماحة أن النظام في سوريا كان يُخطط لإحداث فتنة أهلية في لبنان، وأن وعي القيادات السياسية، وسهر المسؤولين الأمنيين، حالا دون تحقيق هذا المُخطط، الذي على ما يبدو كان سابقاً لعمليات العام 2012، وأكد الإتهام الأميركي لسماحة في العام 2007، بأنه يعمل مع آخرين لزعزعة الإستقرار في لبنان، وبالتالي تمَّ منعه من السفر للولايات المتحدة الاميركية.
ثالثا: تؤكد المعلومات الخطيرة التي أدلى بها سماحة أمام المُحققين، أن اللواء الشهيد وسام الحسن كان يؤرِق بعض مسؤولي الأمن في سوريا، وأن فرع المعلومات قام بإنجازات جبارة في مواجهة المخططات التفجيرية، ومن هذه الزاوية يمكن التأكيد على الرابط الموضوعي بين عملية إلقاء القبض على سماحة من قبل فرع المعلومات، وبين عملية الاغتيال التي تعرَّض لها رئيس فرع المعلومات السابق اللواء وسام الحسن في الأشرفية بعد شهرين من توقيف سماحة… إعترافات سماحة خطيرة وغير عادية، ولكن مرَّت كخبرٍ عادي وسط أحداث كبرى.