لبنان لا يتحمَّل تجاذبات حول الملفات العسكرية

د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

ترى أوساط سياسية مواكبة لمجريات الأمور على الساحة اللبنانية أن التجاذبات السياسية التي إندلعت على خلفية تأجيل تسريح بعض الضباط القادة في الجيش، وربما في قوى الامن الداخلي لاحقاً، تنمُّ عن توترٍ يحمل الكثير من الأخطار، ولا يمكن للأوضاع الهشَّة التي تعيشها البلاد، أن تتحمَّل عواقبها السلبية، ذلك أن الجيش وقوى الأمن الداخلي على وجه التحديد، هما المؤُسستين اللتين تحميان الدولة، وتمنعان الانفلات.

مهما تكُن الاعتبارات التي دفعت بعض القيادات السياسية إلى انتقاد خطوة وزير الدفاع سمير مقبل بتأجيل تسريح الأمين العام لمجلس الدفاع الأعلى اللواء محمد خير ستة أشهر، لا يكمن تأييد تلك الانتقاد، أو مُساندته، لأن الواقعية السياسية تفرض مراعاة الظروف غير الطبيعية التي تعيشها مؤسسات الدولة، لا سيما فراغ كرسي الرئاسة الاولى، وعجز مجلس الوزراء عن القيام بالمهام وفقاً للصلاحية التي يعطيها الدستور لهذا المجلس في القيام بمهام الرئاسة، لأن النص الدستوري حمل مجلس الوزراء هذه المهمة في الظروف التي يشغُر فيها المنصب لأسباب قاهرة، ولم يَكُن في حساب أحد من المُشرِّعين أن التجاذبات السياسية، والصراع على تولِّي المركز، يمكن أن يؤديا إلى حالة الفراغ مثل التي نعيش اليوم.

كان من المُفترض أن يُعين مجلس الوزراء بديلاً عن اللواء خير في جلسة 12/2/2015 التي انفرط عقدها باكراً جراء الشجار الذي حصل بين الوزير بطرس حرب والوزير الياس أبو صعب، وبين الوزير محمد المشنوق والوزير رشيد درباس، لكون مدة خدمة خير تنتهي في 22/2/2015، حيث لا إمكانية لعقد جلسة أو توافق، على التعيين قبل ذلك الموعد، وبالتالي فالوزير مُقبل مُلزم أدبياً ووطنياً الموافقة على إقتراح قائد الجيش التمديد لخير، لأنه، إن لم يفعل ذلك قد يُسبب شلل للمجلس العسكري الذي يُصبح فاقداً للنصاب، ولا أمل في ملء الفراغ سريعاً، لأن التعيين الجديد يحتاج إلى إجماع الوزراء، وهذا أمرٌ بالغ الصعوبة، وأمين عام مجلس الدفاع الأعلى ليس له نائباً ليحلَّ مكانه في حالة الشغور.

المادة 55 من القانون رقم 102/1983، تُعطي وزير الدفاع صلاحية واضحة في تأخير تسريح الضباط، في حالات الحرب وفي وضع إعلان الطوارىء وفي حالة تكليف الجيش بمهام حفظ الامن؛ وهو الحاصل اليوم. كما أن الفقرة (1) من المادة 161 من القانون 17/1990، تنص على إنطباق الأحكام التي تجري على ضباط الجيش على ضباط قوى الأمن الداخلي، ذلك لأن مدة ولاية العميد إلياس سعادة قائد الدرك، ومدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص تنتهي في آذار/مارس وايار/ مايو المُقبلين على التوالي، ومن المؤكَّد أن عملية التوافق على بدائل عنهما لن تسير بالسهولة المرجوة، ولا مشروع تعديل سن التقاعد للعسكريين يمكن أن يصدر في المدى القريب المنظور، وفقاً لما يرى التيار الوطني الحر.

ولما كان الشيء بالشيء يُذكر؛ فإن رئيس الاركان اللواء وليد سلمان تنتهي ولايته المُمددة في آب/ اغسطس المُقبل، وقائد الجيش العماد جان قهوجي في نهاية أيلول/ سبتمبر القادم.

 وحدة ومناعة المؤسسات العسكرية – وفي الطليعة الجيش – ضرورية للبنان في هذه المرحلة بالذات، وهذه القطاعات الحيوية تحمي الدولة والشعب، وتُحصِّن الوحدة الوطنية في ظلِّ الاوضاع الاستثنائية الخطيرة التي تعيشها البلاد. ومُسارعة مُعظم القيادات السياسية الى الإعلان عن الوقوف إلى جانب الجيش، ليس ترفاً سياسياً، انما شعوراً بالخطر الداهم، وتحمُّلاً لمسؤولية تاريخية تقتضيها الامانة الوطنية. وإستناداً إلى هذه المُعطيات، كانت إشارة التأييد التي أعلنها الرئيس سعد الحريري في خطاب الذكرى العاشرة لإستشهاد والده في البيال، وعلى ذات السياق كانت إشادة السيد حسن نصرالله بإجراءات الجيش والقوى الامنية، في خطابه أمام حشود مهرجان تكريم “الشهداء القادة” في حارة حريك بالضاحية الجنوبية.

لكن الإشادة الإعلامية بالقوى الأمنية في هذين الاحتفالين، لم تخف التسابق الذي بدى إلى العلن بين الطرفين على اجتذاب مؤيِّدين من ضباط الأمن. فعدد من القيادات الأمنية حضروا في مُقدمة صفوف إحتفال تيار المُستقبل في قاعة البيال، قابله عدد من الضباط الآخرين حضروا في مُقدمة صفوف احتفال حزب الله في حارة حريك، تلك إشارة لم تعتَد عليها الانشطة الحزبية قبل ذلك، وما كان يحصل أيام الوصاية السورية ليس قاعدة يمكن البناء عليها، لأن الاعراف اللبنانية تقتضي إبعاد المؤسسات الامنية على الانحيازات السياسية، لكونها مؤسسات تعني الوطن بمُجمله، وتحمي المواطنين إلى أيِ فئةِ انتموا.

ترى أوساط سياسية مُحايدة أنه من حق القوى السياسية أن تتخِذ مواقف من الملفات السياسية المطروحة، بل إن ذلك واجبُ تفرضه المسؤولية التمثيلية، ولكن المسؤولية الوطنية تفرض التعالي عن بعض المصالح الضيقة، اذا ما كان الأمر يتعلق بالمصلحة الوطنية العليا.

تفاءل اللبنانيون خيراً بالحوارات الجارية بين تيار المُستقبل وحزب الله، وبين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، وعزَّز هذا التفاؤل التواصل القائم بين العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري، وبين هذا الاخير وكُل من الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط، إلاَّ ان الإنسداد الذي يواجه العمل الجماعي للحكومة، والتباينات حول التعيينات في الأسلاك العسكرية والامنية، مواضيع خطيرة لا يتحمل لبنان التجاذبات حولها في هذا الوقت بالذات.

اقرأ أيضاً بقلم د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

الشراكة السياسية المهددة

عن لبنان النظيف

زيارة الحريري الى واشنطن.. ما لها وما عليها

جنبلاط في الفاتيكان: المرحلة ليست عادية

مواد مُتفلِّتة في الدستور اللبناني تُربك عمل المؤسسات

قرار رئاسي دستوري، ولكنه مُخيف

بعض ما لم يُقل عن لقاء المختارة

النسبية وبرنامج الحركة الوطنية

عون وجنبلاط والتفهُّم والتفاهُم

اولى قرارات الحكومة لا تشبه البيان الوزراي

حزب الله والواقعية السياسية

لبنان والرياح التأسيسية واللقآت النادرة

مُشكلة السجون اللبنانية وابعادها الامنية والسياسية

لبنان أمام مرحلة من الاختناق السياسي والإقتصادي

محاكمة سماحة: خبرٌ عادي لإعترافات غير عادية

نيسان 1975 ونيسان 2015!

عن الصحافة اللبنانية ونقابتها

حول المؤتمر الـ 13 لحركة أمل

تسريبات غير صحيحة حول الملف الرئاسي

عن فاتورة دواء مُعالجة مرض الفراغ الرئاسي