التحدي الخطير والمراقب الحذق

احمد حسان

الأمن والإنماء صنوان متلازمان لا يمكن الفصل بينهما إذا صدقت النوايا في السعي نحو تحقيق الأمن الشامل القائم على مبادىء العدالة والمساواة تحت سقف القانون.

إن الأمن مسألة تتقدم على كل ما عداها بالنسبة لجميع المواطنين، وخاصة لأولئك الذين لا يملكون سوى قوة عملهم لإعالة عائلاتهم وحماية أطفالهم، ويشكل الأمان بالنسبة لهم أولوية تتجاوز الحاجة لرغيف الخبز.

لا نفضح سراً إذا قلنا بأننا في لبنان لا نملك الشروط الموضوعية لتحقيق الأمن الإقتصادي، فنحن دولة غير منتجة، وعلاقات الإنتاج قائمة على المنافسة والإحتكار وتحقيق الأرباح، ونفتقد للمقومات الإقتصادية البديهية التي تؤمن دخلاً قومياً محترماً يكفل توفير فرص العمل وتأمين الحاجات الأساسية من كهرباء وماء وطبابة واستشفاء وتعليم ودواء، بل إننا نفتقد إلى الحد الأدنى من هذه الإحتياجات التي أصبحت شرطاً أساسياً من شروط العيش اللائق والكريم الذي يحفظ كرامة الإنسان ويحميه من الإنزلاق نحو التطرف والعنف والفوضى والوقوع في قبضة تجار السوء والإرهاب الذين يتصيدون في الماء العكر عن سابق تصور وتصميم.

إن إشكالية النجاح في توفير الأمن العام للمجتمع، بما هو أمن يتعلق بالإستقرار ومكافحة التطرف والمخدرات والسرقات والتعديات على الأملاك الخاصة والعامة وعلى الأشخاص يتطلب وجود إستقرار في النظامين السياسي والإقتصادي، ووجود مؤسسات أمنية رسمية تعمل تحت القانون والنظام وقادرة على حفظ الأمن والإستقرار في المجتمع، وإلى سياسة إقتصادية وإجتماعية شفافة قادرة على ضبط وتنظيم وتفعيل عمل الإدارات والمؤسسات العامة، وعلى تأمين الإستقرار في المجتمع ولو بحده الأدنى.

 أما عند الحديث عن الأمن بما هو أمن عسكري وسياسي يشمل الصراعات المسلحة والإعتداءات العدوانية الخارجية والأعمال الإرهابية والعنف الجماعي والقتل السياسي والإبادة الجماعية وتهديد حياة الأفراد والمجتمعات والنسيج الإجتماعي العام في الوطن، تصبح المعالجة أشد صعوبة وتتطلب آليات عمل مختلفة وتغيير جذري في العلاقات بين القوى السياسية والمجتمعية الفاعلة، ويصبح الإنماء المتوازن، على أهميته، أولوية ثانوية أمام ما يتعرض له الوطن من مخاطر وجودية، تهدد في حال إستفحالها بنية الوطن وبقائه ضمن الحدود السيادية المعترف بها.

 إن غياب الأمن الإقتصادي والإستقرار في النظام السياسي، وبوجود بيئة إقليمية متفجرة وتهديدات خطيرة وحقيقية على الحدودين الشرقية والجنوبية، وضعف إمكانات القوى العسكرية الرسمية القادرة على حماية حدود لبنان وأمنه بوجه المخاطر الكبيرة والجدية والإرهاب الأعمى الذي يواجهه، سوف يؤدي ليس إلى إنكشاف لبنان أمنياً فقط، بل سيهدد وجوده كدولة مستقلة ضمن حدوده الآمنة والمعترف بها.

إن التصدي للتهديدات العدوانية والوقوف بوجه موجة الإرهاب التكفيري والإلغائي التي تضرب لبنان، يتطلب إجراءات إستثنائية، الأولوية فيها للوحدة الوطنية بين مختلف القوى السياسية، والإتفاق في ما بينها على الثوابت الوطنية التي تحفظ وحدة البلاد واستقلالها وسيادتها وتصون صيغة العيش الواحد والمشترك بين أبنائها. وذلك يكون بالحوار الهادىء والعقلاني والمنفتح، وبتغليب المصلحة الوطنية على كل ما عداها من مصالح خاصة وشخصية وفئوية، خاصة أن الهم الوطني والأخطار المحدقة بلبنان أكبر بكثير من أن تعالج بالعقلية السائدة اليوم بين وختلف القوى السياسية في البلاد.

إن ناقوس الخطر عاد يدق بقوة، مهدداً الوطن والمواطنين بشر مستطير، لا يعلم إلا الله مداه، وكل المعطيات تشير إلى أن الأوضاع في المنطقة باتت تراوح مكانها، بالرغم من كل العنف والضحايا والخسائر الهائلة التي تهدر، والأطراف المشاركة بهذا الصراع، على تعددها واختلاف أهدافها، باتت بحاجة لحدث مأساوي آخر لإعادة تحريك الساحات من جديد. ويبقى أننا في تحدي حقيقي لكي لا يكون هذا التطور الخطير المرتقب سيكون على حساب لبنان وأهله.

هل سنرى مبادرة جديدة من مراقب حذق يرى الصورة كاملة من أعلى الجبل؟!

 ———————————————-

(*) أمين الإعلام في جبهة التحرر العمالي

اقرأ أيضاً بقلم احمد حسان

حزب جلسة الشاي… والتحدي الحقيقي

الإرادة المسبقة بتعطيل مفهوم الدولة

الجنة ليست للفقراء

واقع الحركة النقابية وضرورة التغيير

اليوم العالمي للحرية وبصمة العار اللبنانية

حذار الوقوع في فخ إتفاقية جنيف للاجئين

الحزب والجبهة وتحدي التغيير

المرأة وثقافة العيب

العدالة الإجتماعية كحافظة للسلم الأهلي

الرئاسات ليست ملكاً للطوائف!

كم نحن بحاجة إليك اليوم وليد جنبلاط

سلاح الجيش الأمضى الذي لا يمتلكه غيره

قدر لبنان ورسالته التاريخية

الطاحونة السورية والغلّة اللبنانية

المجموعات الطوائفية والمعارك الوجودية

البديل النقابي الديمقراطي وتحدي التغيير

مفهوم السيادة والدولة الفاشلة النموذج اللبناني

قواعد السياسة الإقتصادية وهاجس الإمساك السلطة