الجامعة اللبنانية والوردة وانحباس المطر

د.ناصر زيدان

ليس في افق الهياج التعليمي والاضطراب الاكاديمي في لبنان مقاربة يمكن ان تُشكل بديلاً عن الدور الذي تلعبه الجامعة اللبنانية. ذلك ان نجاح بعض التعليم العالي الخاص بالكاد يصنع توازناً مع فشلِ بعضه الآخر، والتنامي الملحوظ لنسبة المُلتحقين بالجامعات من طلاب لبنان يفرض تنامي البُنية التحتية التي يمكن لها ان تستوعب الاعداد المُتزايدة.

منحت الحكومة اللبنانية مجموعة كبيرة من التراخيص لجامعات خاصة جديدة في السنوات الاخيرة، وتدور حول هذه التراخيص شكوك واسعة، تبدأ بطريقة اختيار المُنتفعين، ولا تنتهي بمستوى بعض القيميّن عليها، مروراً بالانفلاش الذي يحكم المعايير العلمية، ونوعية الاختصاصات وتوصيفاتها، ووصل الامر عند البعض الى حد القول: ان الدولة اعطت تراخيص لجامعات جديدة وهي تؤمِّن لهذه الجامعات الطلاب، عن طريق تقليص دور ومهام وسعة استيعاب الجامعة اللبنانية.

الموضوع المطروح لا يتعلَّق بالدعاية لمستوى شهادة الجامعة اللبنانية، او لشهادات الجامعات الخاصة العريقة، ولا بالانتقاص من مكانة شهادات الجامعات الجديدة، فمؤشرات استيعاب سوق العمل، ومهارات الخريجين، تُعطي صورة واضحة عن الامر.

يوجد انطباع عام في الاوساط الشعبية والتربوية، ان هناك سياسة تهدف لتقليص دور الجامعة اللبنانية، وتشجيع الجامعات الخاصة، وقد تكوَّنت هذه الصورة من مجموعة من العوامل والمؤشرات، لعلَّ اهمها على سبيل المثال لا الحصر: مشاركة الرؤساء في احتفالات التخرُّج في الجامعات الخاصة، وارسال مندوبين عنهم الى احتفالات التخرُّج في كليات الجامعة اللبنانية، كذلك في لحظ زيادة 5 مليار ليرة فقط في مشروع موازنة الجامعة للعام 2012، بحيث اصبحت 215 مليار ليرة بدل 210 – وهو مبلغ لا يكفي لسد التظخُّم في زيادة اسعار القرطاسية – بينما في ذات الموازنة لحظ المشروع زيادة الدعم للمدارس المجانية الخاصة بقيمة 83 مليار ليرة، بحيث اصبح مبلغ الدعم 166 .

لا يمكن التسليم بفرضية تراجع اهمية الجامعة الوطنية مع تنامي اهمية القطاع الخاص، لأن الدول المتطورة  والتي لجأت الى الخصخصة في مجالاتٍ عديدة، زادت من مكانة الجامعات الحكومية ووسَّعت من قدراتها على الاستيعاب – فرنسا على سبيل المثال – والظروف اللبنانية ” السيسيوبوليتيكية ” تفرض الحاجة الى الجامعة الوطنية، ولا تكفي بعض التشويشات الدعائية عليها – ومعظمها صادر عن اصحاب مصلحة – للزهد بدورها. وما يقال عن الاعداد الكبيرة للطلاب السوريين في صفوفها غير صحيح، فأكثر من 90% من طلابها لبنانيون، وموزعون على كافة المناطق اللبنانية ” كي لا نقول على الطوائف “.

من اكبر التحديات التي تواجهه الجامعة اليوم، موضوع الاساتذة المتعاقدين. فالقانون 66 لحظ ان نسبة هؤلاء يجب ان لا تزيد عن 20% ، بينما وصلت نسبة هؤلاء اليوم الى 80%، نظراً للحجة لهم، منهم 25% فقط مؤهلين للتفرغ، لكون الأخرين من القضاة والمهندسين والاطباء وكبار المحامين، وعدد هؤلاء المُرشحين للتفرُّغ لا يتجاوز 700 استاذ، بينما خرج من الجامعة الى التقاعد 780 استاذ منذ آخر مرسوم تفرُّغ في العام 2008 لتاريخه، ومُعظم هؤلاء المُرشحين للتفرغ يُدرِّس في الجامعة منذ ست سنوات بما يُشبه ” السخرة ” من دون اية ضمانات، وبالكاد يقبضون اجورهم بالساعة كل سنتين.

مجلس الوزراء استعاد صلاحية تفريغ الاساتذة من مجلس الجامعة بالقرار 42/97، وبالتأكيد ليس لمجلس الوزراء القدرة على احاطت المسألة بالرعاية الكافية لإنشغالاته الواسعة، ولكون ما يقارب ثلث وقت الوزارات منذ العام 1997 مضى تصريفاً للأعمال. وبعض القوى السياسية المُمثلة بالحكومات المُتعاقبة، تنظر الى تفريغ الاساتذة على انه طريقة توظيف، اكثر مما تعتبره مهمة وطنية تهدف الى الحفاظ على استمرارية الجامعة ومكانتها.

ومجلس الوزراء ايضاً تخلَّف عن تعيين العمداء، مما الزم رئيس الجامعة تكليف عمداء وفقاً لترشيحات اثارت بعض اللغط، لاسيما في كلية ألاداب، وكلية الفنون.

ان الحفاظ على الجامعة الوطنية ووحدتها ومكانتها مسؤولية وطنية من الطراز الارفع، وهي مع الجيش ركيزتا الوطن على ما اشار رئيس الجمهورية.

هذه الجامعة مُهددة اليوم، ولا تلقى الرعاية الكافية. انها وردةٌ عطشى وسط مناخٍ يسوده انحباس المطر. فهل تروي حكومة المصلحة الوطنية الواعدة ضمأ الورد العطشان؟

________________

*استاذ في العلوم السياسية والقانون الدولي العام