الحزب والجبهة وتحدي التغيير

احمد حسان

قد يكون من المُلح والبديهي أن يعود الحزب التقدمي الإشتراكي إلى لعب دوره المركزي في الحياة السياسية اللبنانية، وهو بالرغم من أنه لم يغادرها، ولكنه أصبح مطالباً اليوم بأن يستعيد زخم تواجده في مختلف المناطق اللبنانية وفي ضمير أهلها، وأن يعود إلى ناسه في الخيام وراشيا وزحلة وبعلبك وعكار وطرابلس والبترون وجبيل وجبل لبنان والدامور وصيدا وصور وبنت جبيل … فلا تاريخه يسمح له بغير ذلك، ولا مبادئه وعقيدته وإنسانية فلسفته تبيح له أن يكون أصغر من الزعامة، أو أن يتقوقع على نفسه في شخروب يستكين فيه للواقع الطائفي والمذهبي والفئوي وينخرط في شروط لعبته، فمن كان طليعي في تأسيس الجبهة الإشتراكية الوطنية وقيادتها في العام 1952، ومن حرض على قيام الجبهة الإشتراكية الشعبية في مواجهة الإنحراف الخطير للسلطة السياسية وغرقها في أحلاف رجعية مشبوهة، ومن أسس جبهة النضال الوطني وقاد الحركة الوطنية اللبنانية في أدق المراحل من تاريخ لبنان الحديث، ومن كان له شرف حماية بوابة المقاومة لتحرير لبنان ومناصرة القضية الفلسطينية، ومن قدم مؤسسه شهيداً دفاعاً عن الحرية والمبادىء، لا يليق به إلا أن يكون تقدمياً في مواجهة كل ما يهدد لبنان في رسالته وحريته وديمقراطيته وتسامحه وانفتاحه والعيش الواحد بين أبنائه. ولعل أغلى هدية تقدم لروح المناضل الكبير المعلم كمال جنبلاط في ذكرى إستشهاده السابعة والثلاثين هي أن يستعيد الحزب التقدمي الإشتراكي مكانه الطبيعي في ضمير الناس، كل الناس.

إن ما يصح على الحزب التقدمي الإشتراكي يصح على جبهة التحرر العمالي، الجبهة التي لم يتردد الشهيد كمال جنبلاط في إعطائها شرف إحتضان القادة النقابيين الديمقراطيين في إطار عمالي ونقابي جديد قادر على مواجهة السلطة المنحازة لأصحاب العمل وقوى الهيمنة الطائفية، وإعادة الوجه الوطني الحقيقي والصحيح للحركة العمالية والنقابية. الجبهة التي لم تتهاون في تاريخها النضالي المشرف من الإنخراط في المعارك النقابية المتواصلة دفاعاً عن الحرية والديمقراطية، وفي السعي نحو تحقيق العدالة الإجتماعية والمشاركة الفاعلة في معركة تحقيق مطالب العمال وحماية حقوقهم ومكتسباتهم، إلا أنها مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى في قيادة تحرك نقابي ووطني واسع من أجل إنتشال الحركة النقابية من مأزقها الكبير الذي سقطت فيه تحت ضغط السياسات الإقتصادية والإجتماعية للحكومات المتعاقبة منذ ما بعد إتفاق الطائف، وتحت ضغط التدخلات السياسية والطائفية والفئوية في عملها، ومحاولات أصحاب النفوذ الطائفي والمالي المستمرة من أجل ضربها في الصميم، كونها الحصن الأخير أمام إستباحة الرأسمال المتوحش وجشع أصحاب السلطة في نهب خيرات الوطن وتعميم ثقافة الفساد والرشوة والإرتزاق أمام أبواب القصور العالية.
إن مهمة جبهة التحرر العمالي اليوم، بعد أن كانت وما زالت ساحة نضال لكبار المناضلين النقابيين أمثال أسعد عقل وأنطوان عريضة وحارس فغالي وعادل حاطوم وسعيد مغربل وخليل قلعجية وسليمان الباشا وعادل عبد الصمد واديب بو حبيب وعلي جابر وسليمان حمدان وعصام ريدان…وغيرهم الكثير، أن تعيد تفعيل عملها وتتابع ما بدأت به أمانتها العامة وأمينها العام الرفيق عصمت عبد الصمد من تنظيم مؤتمرات وندوات وورش عمل نقابية تساهم في توعية العمال، وإعداد كوادر نقابية شابة تساهم في إرتقاء العمل النقابي، ورفع مستوى النضال العمالي والشعبي من أجل تحسين المستوى الإجتماعي والمادي للعمال وأصحاب الدخل المحدود، وحماية حقوقهم ومكتسباتهم.

إن المطلوب اليوم من جبهة التحرر العمالي أن تقود حراكاً نقابياً يتوازى مع الجهود السياسية التي يبذلها النائب وليد جنبلاط، والتي أثمرت إنفراجاً سياسياً في البلاد تجسد بتشكيل حكومة وطنية جامعة قطعت الطريق على إنفجار كان أكثر من وشيك. وأعتقد أن الجبهة بما تحضره من ورش عمل نقابية، ومن تحضيرات متتابعة لعقد مؤتمرها السنوي العام في الأول من أيار القادم، قادرة على تحقيق إنجاز نقابي مميز بتطوير آليات عملها وتوسيع قاعدة الإنتساب والمشاركة فيها وممارسة ديمقراطية شفافه في توزيع المهام وتداولها، وهي قادرة بفضل تاريخها وموقعها النقابي على النجاح في التحدي الحقيقي امامها المتمثل في قيادة التغيير نحو حركة عمالية حرة وديمقراطية وفاعلة، تنتج إتحاداً عمالياً جديداً، وفي إطار تنظيمي وهيكلية نقابية ديمقراطية متطوره وجديدة، على أن تتمثل فيه كل القوى النقابية الديمقراطية وتمارس من خلاله حقها في تمثيل العمال وفي المشاركة في قرارات السلطة السياسية بكل ما يتعلق بخططها الإقتصادية والإجتماعية.

إن عمق الأزمة الوطنية السياسية والإقتصادية والإجتماعية والنقابية يتطلب من الحزب التقدمي الإشتراكي ومن جبهة التحرر العمالي، إستلهام فكر ومبادىء وفلسفة وممارسة الشهيد كمال جنبلاط وأخذ موقعها الطبيعي في مقدمة الصفوف الوطنية، والمساهمة في إخراج الوطن من النفق المظلم الذي دخل فيه.

إنه التحدي الحقيقي، وكل ما عداه هو “…تهرب من معركة الحق”.

———————————————–
(*) أمين الإعلام في جبهة التحرر العمالي

اقرأ أيضاً بقلم احمد حسان

حزب جلسة الشاي… والتحدي الحقيقي

الإرادة المسبقة بتعطيل مفهوم الدولة

التحدي الخطير والمراقب الحذق

الجنة ليست للفقراء

واقع الحركة النقابية وضرورة التغيير

اليوم العالمي للحرية وبصمة العار اللبنانية

حذار الوقوع في فخ إتفاقية جنيف للاجئين

المرأة وثقافة العيب

العدالة الإجتماعية كحافظة للسلم الأهلي

الرئاسات ليست ملكاً للطوائف!

كم نحن بحاجة إليك اليوم وليد جنبلاط

سلاح الجيش الأمضى الذي لا يمتلكه غيره

قدر لبنان ورسالته التاريخية

الطاحونة السورية والغلّة اللبنانية

المجموعات الطوائفية والمعارك الوجودية

البديل النقابي الديمقراطي وتحدي التغيير

مفهوم السيادة والدولة الفاشلة النموذج اللبناني

قواعد السياسة الإقتصادية وهاجس الإمساك السلطة