العدالة الإجتماعية كحافظة للسلم الأهلي

احمد حسان

يشكل اليوم العالمي للعدالة الإجتماعية، والذي تحتفل به الأمم المتحدة في ال 20 من شهرشباط من كل عام، تحدياً حقيقياً لمفهوم العدالة الإجتماعية وتطبيقها في لبنان، وبالرغم من أن مفهوم العدالة الإجتماعية واسع ويحتمل التأويل والتفسير إلا أنه يبقى القاعدة الإجتماعية التي لا غنى عن وجودها للحفاظ على الإستقرار والتوازن داخل المجتمع، والركيزة الأساسية للتعايش والسلم الأهلي.

فالعدالة الإجتماعية تعني إزالة الفوارق الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والحقوقية بين طبقات المجتمع، وتوزيع الثروة بشكل عادل بين جميع المواطنين، وتوفير الفرص للإستفادة من التقديمات الطبية والتعليمية والإجتماعية، وهي تعني أيضاً فتح المجال أمامهم للعمل والإستثمار وتبؤ الوظائف والمراكز في الإدارات والمؤسسات العامة والخاصة بحسب قدراتهم وكفاءاتهم، وتأمين المشاركة الحقيقية لأوسع الفئات الإجتماعية في وضع التشريعات والقوانين التي تنظم السياسات الإجتماعية والإقتصادية. والعدالة الإجتماعية تقتضي وجود سياسة ضرائبية تهدف إلى توزيع الثروة الوطنية وإزالة الفوارق الإقتصادية بين طبقات المجتمع وتعزيز النمو الإقتصادي، فهل تأمنت العدالة الإجتماعية في لبنان؟

العدالة الإجتماعية في النص الدستوري:
يتفرد لبنان بغرابة نظامه السياسي، فهو يحتكم إلى دستور وطني مكتوب وضع في العام 1926 وخضع خلال تاريخه للعديد من التعديلات الدستورية، وكان آخر تلك التعديلات وأهمها هي التي أقرت بموجب القانون الدستوري الصادر في 21/أيلول/1990 بعد إتفاق الطائف وإعلان نهاية الحرب الأهلية اللبنانية.
ويحتكم اللبنانيون أيضاً لدستور عرفي آخر غير مكتوب، لكنه يتمتع بقوة قانونية وشرعية تضاهي قوة النص الدستوري، بل تتفوق عليه في أحيان كثيرة.

فقد حددت المادة “ج” من مقدمة الدستور اللبناني أن لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على إحترام الحريات العامة وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الإجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات…

وجاء في الفقرة “ز” من المقدمة أيضاً أن الإنماء المتوازن للمناطق ثقافياً وإجتماعياً وإقتصادياً ركن أساسي من أركان وحدة الدولة واستقرار النظام.

ونصت المادة 7 من الدستور على أن كل اللبنانيين سواء أمام القانون وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بينهم…

وفي المادة 12 منه نص الدستور على أن لكل لبناني الحق في تولي الوظائف العامة ولا ميزة لأحد على الآخر إلا من حيث الإستحقاق والجدارة.

إن المقارنة بين النص الدستوري والتطبيق الفعلي له على أرض الواقع سيظهر مدى عمق إنتهاك النص الدستوري ومخالفة أحكامه في إطار السعي إلى تحقيق العدالة الإجتماعية:

– فلا لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، بل هو في الواقع والممارسة نظام هجين أقرب إلى ما يشبه الكونفيدرالية الطوائفية منه إلى النظام البرلماني الديمقراطي، وهو ما يناقض أبسط مبادىء العدالة الإجتماعية.

– ولا أثر للإنماء المتوازن للمناطق ثقافياً وإجتماعياً وتنموياً إلا في البيانات الوزارية التي لم تترجم يوماً على أرض الواقع.

– ولا شيء يدل بالواقع والممارسة على أن اللبنانيين سواء أمام القانون، فهناك من يُنسى في السجون ودون محاكمة لأبسط الجنح، بينما هناك من هم يسرقون خيرات الوطن ويختلسون المال العام وتعطى لهم الالقاب والمناصب والتعويضات.

– ولا هم يتمتعون بالحقوق المدنية والسياسية على حد سواء، لغلبة ممارسات النظام الطائفي الذي يمارس أبشع أنواع التمييز في تصنيف الناس وتعليبهم.

– ولا هم يملكون الحق في تولي الوظائف العامة إستناداً إلى الإستحقاق والجدارة، بل إلى شيء آخر له علاقة بالواسطة وبالكوتا الطائفية والسياسية والفئوية.

إن كل شيء في النص يشي بأن الأمور على خير ما يرام، ولكن الممارسة والواقع يؤكدان على أن لا شيء يسير على ما يرام، وبأننا لم نزل نتلقى الأحرف الاولى في أبجدية العدالة الإجتماعية، فلا قانون يحمي حقوق الطفل في الصحة والطبابة والتعليم، ولا قانون يحمي المرأة من التعدي على حقوقها وحمايتها من التسول بجسدها، ولا قانون يحمي حق العامل بالعيش بكرامة أثناء عمله أو بعد إنتهاء خدماته وخروجه على التقاعد بعد أن أفنى شبابه في خدمة المجتمع.

اليوم العالمي للعدالة الإجتماعية هو مناسبة للتذكير بأننا لم نزل على رصيف الإنسانية، وبأن التحدي الحقيقي لفرض السلم الأهلي لا يكون في الأمن فقط، بل يكون في تثبيت الأسس السليمة للعدالة الإجتماعية، وفي وطن محرر من الخوف والفقر والحاجة والقلق على المصير.

اقرأ أيضاً بقلم احمد حسان

حزب جلسة الشاي… والتحدي الحقيقي

الإرادة المسبقة بتعطيل مفهوم الدولة

التحدي الخطير والمراقب الحذق

الجنة ليست للفقراء

واقع الحركة النقابية وضرورة التغيير

اليوم العالمي للحرية وبصمة العار اللبنانية

حذار الوقوع في فخ إتفاقية جنيف للاجئين

الحزب والجبهة وتحدي التغيير

المرأة وثقافة العيب

الرئاسات ليست ملكاً للطوائف!

كم نحن بحاجة إليك اليوم وليد جنبلاط

سلاح الجيش الأمضى الذي لا يمتلكه غيره

قدر لبنان ورسالته التاريخية

الطاحونة السورية والغلّة اللبنانية

المجموعات الطوائفية والمعارك الوجودية

البديل النقابي الديمقراطي وتحدي التغيير

مفهوم السيادة والدولة الفاشلة النموذج اللبناني

قواعد السياسة الإقتصادية وهاجس الإمساك السلطة