كم نحن بحاجة إليك اليوم وليد جنبلاط

احمد حسان

رجل تسكنه هواجسه الوطنية، قامته لا تنحني إلا تفادياً لرياح السموم التي تهب من البؤر والمستنقعات الطائفية والفئوية والسياسية الآسنة، مسكون بهواجس الزعامة وإرثها الثقيل كمسؤولية ودور، ومسكون بهموم وهواجس طائفته الملزمة بالبقاء على إستنفارها التاريخي والدائم في وطن ملعون بأحداثه وعصبياته وطوائفه. وهو مسكون بهواجس وطنه كوطن نهائي له ولأبنائه ولطائفته وحزبه وتاريخه السياسي والإجتماعي والروحي العريق، والمفعم بمبادىء إنسانية وفلسفية راسخة.

خبير في لعبة الأمم، وأبرع من فكفك أحجياتها واكتشف أدق تفاصيل تدخلها وتداخلاتها في القضايا اللبنانية المشرعة على كل التفاصيل والساحات، وأكثر من تعامل معها بميزان الذهب، في محاولته لفهمها وتجنب مطباتها وأفخاخها الكثيرة.

أسلوبه في التعاطي مع هذه الهواجس مجتمعة، جعل من قامته أكبر من قامة الزعامة وشؤون الطائفة وهموم الحزب والوطن، ووضعته مسؤولياته، التي ينوء عن حملها الكبار، على حافة الهاوية، فإن مال بفعل تقلب الرياح والأحداث مال معه الوطن بسياسييه وطوائفه وأحزابه، وإن كبا عن شؤونها دخلت البلاد في نوبة عصبية أشبه بالجنون.

على طاولات الحوار ومجالس النقاش بين أفرقاء الوطن، غالباً ما تكون الكلمة الفصل من وحيه، وفي زمن الشدائد والصدامات وانفلات الغرائز والعصبيات لا يتردد من أن ينحني، لا تهرباً من مسؤولية أو خوفاً على دور ومصير، بل تجنباً للعاصفة وخوفاً على وطن بلي بنظامه ومراهقة سياسييه.

هو نقطة التوازن التي تزعج الكثيرين، وكثيرون هم الذين يحسدونه على موقعه وعلى قدرته في تدوير الزوايا وإعادة ترتيب الأمور، ولا يتردد خصومه في البحث عن صيغ مختلفة للتخلص من وطأة ظله على صياغة الحلول والتسويات والحفاظ على التوازنات، ولكنهم عندما يفشلون في محاولاتهم يلقون بالمسؤولية عليه وينعتونه بما لذ وطاب لهم من صفات، ولكنهم في السر والعلن يعترفون له بمرونته وأسلوبه السهل الممتنع في تجاوز المصاعب والعراقيل ومواجهة رياح السموم واجتراح الحلول والتسويات، بل ويرجعون إليه لإنقاذهم من سقطاتهم وتلافياً لسقوط سقف الوطن على من فيه.

ما يميزه أنه يحمل مفاهيم ومبادىء إنسانية وفلسفية راسخة في خلفيته ووجدانه وموروثه الشخصي النادر، والثابت الوحيد بالنسبة له هو الحفاظ على لبنان كما يتصوره وكما يحب له أن يكون، فهو بشهادة الكثيرين أبرع من مارس السياسة اللبنانية، وأكثرهم فهماً للتوازنات والتعامل معها بحنكة عالية، ونادراً ما خانته تحليلاته. فهو قد يكون الوحيد الذي إختلف مع جميع الأطراف السياسية في مسيرته الطويلة، وإلى حد الصدام أحياناً، ولكنه كان يسارع إلى تضميد الجراح وترميم العلاقات، وحتى الإعتذار إذا تطلب الامر ذلك، وخاصة إذا كان يرى بأن مخاطر الخلاف قد تنعكس بمخاطر أكبر على الوطن وأهله.

وهو بالرغم من أنه صادق في صداقاته إلى حد البساطة، إلا أنه مؤمن تماماً بأن العمل في السياسة يحتم عليه تبديل تحالفاته ومواقفه وفقاً للوقائع والمستجدات والظروف السياسية والوطنية، وعلى قاعدة واحدة ورؤية ثابتة تقوم على ضرورة حماية الوطن.

إهتمامه في الحفاظ على البيئة لا يضاهيه أي إهتمام آخر، وبالرغم من أنه في ذلك يواجه الأصدقاء والأقارب والخصوم إلا أنه ثابت في مواقفه ولا يتزحزح، وهو وإن فشل في أن يحافظ على البيئة الطبيعية على كامل جغرافية الوطن، إلا أنه نجح بالرغم من كل المصاعب والإعتراضات والخسائر المادية والمعنوية، في أن يجنب المناطق التي يمتلك بعض النفوذ فيها من السقوط في فخ التلوث العمراني والبيئي والسكاني الذي يغزو معظم المناطق اللبنانية.

كم نحن بحاجة اليوم إليك وليد جنبلاط ولحكمتك وحنكتك وخبرتك في حلحلة العقد وتدوير زوايا الخلافات للخروج بالوطن من الأزمة السياسية والإجتماعية والإقتصادية الخانقة التي وصلت إليها البلاد، والتي لا تهدد فقط سلامة الوطن وأمنه وسلمه الأهلي والإجتماعي، بل تهدد وجوده كوطن وكرسالة إنسانية وحضارية ثمينة.

———————————————————
(*) أمين الإعلام في جبهة التحرر العمالي

اقرأ أيضاً بقلم احمد حسان

حزب جلسة الشاي… والتحدي الحقيقي

الإرادة المسبقة بتعطيل مفهوم الدولة

التحدي الخطير والمراقب الحذق

الجنة ليست للفقراء

واقع الحركة النقابية وضرورة التغيير

اليوم العالمي للحرية وبصمة العار اللبنانية

حذار الوقوع في فخ إتفاقية جنيف للاجئين

الحزب والجبهة وتحدي التغيير

المرأة وثقافة العيب

العدالة الإجتماعية كحافظة للسلم الأهلي

الرئاسات ليست ملكاً للطوائف!

سلاح الجيش الأمضى الذي لا يمتلكه غيره

قدر لبنان ورسالته التاريخية

الطاحونة السورية والغلّة اللبنانية

المجموعات الطوائفية والمعارك الوجودية

البديل النقابي الديمقراطي وتحدي التغيير

مفهوم السيادة والدولة الفاشلة النموذج اللبناني

قواعد السياسة الإقتصادية وهاجس الإمساك السلطة