بين التمديد والفراغ

عبدالوهاب بدرخان (النهار)

عام 2004 أمر بشار الاسد بتمديد ولاية إميل لحود في الرئاسة اللبنانية ومضى في هذا القرار الى حد اغتيال رفيق الحريري. وفي 2011 اهتزّت سلطته وشعر بأن رئاسته مهددة، ولكي يمدد ويديمها الى 2014 وما بعدها اندفع الى اغتيال الشعب السوري. ورغم “الانتصارات” التي يصنعها له الايرانيون و”حزب الله” والعصابات الاخرى، لا يبدو الاسد مطمئناً الى البقاء في السلطة. وهذا البقاء لا يضمنه سوى الاستمرار في القتل، أما الدخول في مفاوضات لأجله فهذه مسألة اخرى تخضع للمساومات، ومع أنه ساوم كثيرين (اميركا، اسرائيل…) سابقاً لحمايته إلا أنه لم يتصوّر يوماً أن يضطر الى مساومة ممثلين عن شعب سوريا، ولن يساوموه على بقائه.

هذه المرّة لن يستطيع الاسد أن “يأمر” بالتمديد لميشال سليمان، فهو لا يستطيع ولا يرغب، ثم انه منشغل بتأمين التمديد لنفسه وللحكم الاسدي الذي فقد كل مبرراته السورية باستثناء ما يقول الروس والايرانيون انها “مصالح” لهم في سوريا وفي نظامها. لن يحدث فراغ في الحكم في سوريا لأنه حاصل فعلياً منذ منتصف 2012 على الأقل. أما في لبنان فالفراغ وارد، لكن ادارته هذه المرّة ستختلف، سواء بالأشخاص أو بالاسلوب. فالرئيس سليمان لن يطلب التمديد، وهو جاء وبقي على أساس التوافق، لكن فريق “8 آذار” الخارج عن كل التوافقات – آخرها “اتفاق بعبدا”، واللائحة طويلة – بات يعتبر أن الرئيس لم يعد توافقياً ما دام أنه يدافع عن الدولة وينتقد ازدواجية السلاح ولا يبارك مشاركة “حزب الله” في القتال داخل سوريا بل يتهم حسن نصرالله بأنه يطلق الاتهامات جزافاً ضد السعودية.

غير أن الاسد وحلفاءه قد يكونون توصلوا الى تحديد البديل من سليمان: فإما الفراغ في الحكم وإما ميشال عون. في ظهوره التلفزيوني الأخير استخدم عون كل حجج الاسد في شرح الأزمة السورية كما في الحديث عمن سماهم “المتمردين”. أما بالنسبة الى الرئاسة فحرص عون على أن يبدو “عايز مستغني”، لأن قواعد اللعبة مبلبلة ويجب أن تُلعب باسلوب مختلف. فهو لا يرى منافساً حقيقياً ولا يحب البحث عن توافقات خارج حلفائه لأنه يريد أن يكون رئيساً تصادمياً. لكن المعادلة السياسية الراهنة ضيقة وتجعل حظوظه مضمونة وغير مضمونة، فحتى لو حسم الحلفاء تأييدهم في الوقت المناسب فإنه لا يكفي وحده، لذا وجد حزبه ضرورة أن يفتح حوارات مع التيارات المناوئة. أما الفراغ المحتمل فلا شك في أن الاسد وحلفاءه يفضلون الاعتماد على “حكومة ميقاتي” لادارته، أو بالأحرى ليديروا الدولة من خلالها، كما فعلوا منذ جاؤوا بها ونصّبوها. المؤكد أنهم لن يسهّلوا تشكيل حكومة تمام سلام، والأكيد أن تعويم حكومة ميقاتي كسواه من الخيارات – مضمونٌ وغير مضمون – لكنهم سيحاولون، ومن عاداتهم استخدام الترهيب.