أي مستقبل بعد جنيف2؟

بشار العيسى

يبدو من تسارع الاحداث والتفاعلات الاقليمية والدولية الفاعلة في الحدث السوري الجلل، اننا مقدمون على ما لا يحمد عقباه بالفشل والانسحاب الى الهامش، في حال إذا لم تستطع تشكيلات الحراك الشعبي ( العسكري والسياسي) للمعارضة الخارجية واصدقائهم والفاعلين في أمرهم: أن يجعلوا من “جنيف 2″، رافعة تفعيل ضخّ عسكري وسياسي بعقل مؤسساتي برؤية سياسية وانجازات ميدانية، وشراكة مكونات واضحة الحدود والقوى، لإعادة حصان المعارضة امام عربة الثورة، بتجديد وترميم ذاتية افقيا وعموديا لهياكلها المتهالكة.

لم يعد خافيا على أحد ، أن “دولة العراق وبلاد الشام” ليست من جسد الثورة والحراك العسكري المنبثق عنه، لدرجة ان رجلا مثل “أيمن الظواهري” اضطر الى التخلّي عنها علناً، تتحول بالتدريج بالفعل والسيطرة الى رديف فاعل لكتائب السلطة والأذرع الإيرانية الاقليمية تقوم بتفتيت الساحة الداخلية الصديقة افتراضا، الى فراغات جغرافية تتصارع الجبهات فيها بفوضى السلاح وممارسات لا تستقيم بشكل من الاشكال مع قيم وشعارات الثورة السورية في الحرية والكرامة والديمقراطية .

في ظلّ تراجع الموقف الغربي، والتسيّب بالفساد والولاءات المالية وتعدد انشطارات الجيش الحرّ وتراجع كبير في خطابه ووحدته، يتلاشى الى حدود اليأس الحماس الشعبي الذي رافق انطلاقة الثورة وعلى مدى سنتين بتضحيات هائلة، نتيجة لافتقاد ممثليه في الخارج الى رؤية سياسية واضحة مستقلة تحكم ربط الممثل السياسي والعسكري الى حاضنته المجتمعية، سهّلت اخطاء المعارضة ولحظية مصالح الاصدقاء على السلطة تحقيق اختراقات في خاصرة قوى الثورة بالحيوية استثمرت بها موازين التحوّل لصالحها بعد الاتفاق الكيماوي الامريكي الايراني الروسي.

يبدو جليا للمبصر، ان الفوضى وتعدد الولاءات والارتجالية التي ما زالت تحكم سلوك المعارضة الخارجية تجاه وأهمية التحضّر لجنيف 2، كآخر فرصة ربما، وساحة أشدّ معركة لا تجوز خسارتها او التقليل من قيمتها بحجة أنها لن تأتي بالنصر لأنها قد تأتي بالهزيمة.

فالاستخفاف ب”جنيف2″ بالاشتراطات اللاعقلانية وغير السياسية للتهرب من استحقاق تفاوضي جدي يستلزم جهدا وامكانات مفقودة وتحضّرا لملفات معالجة معمقة ووفد مقتدر ورؤية واضحة، يتحول الى مصيدة للذات بتجاهل العمل الجاد والتهيؤ لمعركة يخوضها الخصم، قد تتحوّل بأدوار وخبث “الرعاة الدوليين” الى خطيئة قاتلة وتترك الساحة لتصبح مرعى احتياطيا لقطعان السلطة وحليفها الروسي، لدرجة ان موالاة للسلطة اكثر عقلانية مثل “هيئة التنسيق” اضطرت ان تستنكر توسيع طيف الحضور الى رفعت الاسد وقدري جميل وغدا ربما بثينة شعبان، كمعارضة موالية اشد من غيرها، ليس لوطنية هؤلاء بل لأن نشوة الانتصار التي يعيشها النظام والحليف الروسي لم تعد تهتم بماء وجه العملاء العقلانيين.

الميدان وآفاق المستقبل

يأتي سقوط موقع “السفيرة” الاستراتيجي وبعدها ” تل عرن” لتشكيل قوس يحيط بحلب لمحاصرتها وقضمها من الجنوب الشرقي الى الشمال الشرقي ومن ثم “السبينة” في جنوب دمشق تتويجا لاختراقات نوعية وحلقات ارتكاز أساسية في مستقبل موازين القوة المتسارعة لصالح السلطة اذا استمرت فوضى المعارضة و”أعدقائها” العرب، بعدما أعلن الغربيون ومعهم الجامعة العربية صراحة، انحيازهم الى خيار: التفاوض السياسي بغير القوة العسكرية، كجائزة ترضية قوية ليس لنظام الاسد وسلطته بل للشريك الجديد الواعد في الشرق الاوسط ايران بقوة “فيلق القدس” المركّب الذي يقود معارك انتصارات الاسد فعلياً.

يبدو ان التفاهمات الايرانية الامريكية بدأت تسطّر صفحات جديدة في صياغة أفق آخر لعلاقة ملتبسة مديدة، هي التي تتحكم بمسار جنيف2 من خلال جنيف طاولة تفاوض أيران روحاني مع خمسة زائد المانيا، وفي حال تكللت المفاوضات بنجاح، وستتكلل آجلا ام عاجلا، فان الغرب الامريكي خاصة، سيتخلى لإيران عن دوره والدورين المشاغبين التركي والاسرائيلي، في صورة وكالة تفاهمات تعيد تنظيم امور ومستقبل العالم الشرق اوسطي.

لقد تعب العالم والغربي خاصة، من تجاوزات اسرائيل ومن تشرذم العرب العاجز ومن الدلع الروسي الذي يبدو يوميا وكأنه المهموم الوحيد بعقد مؤتمر جنيف2 يحفظ لها حقوقها، حتى لا تذهب رياح التفاهم الايراني الامريكي بأتعابه.

لقد راهنت أمريكا طويلا على التيارات الاخوانية في العالم الاسلامي كقوى اعتدال تستطيع ان تلجم مجاميع التطرف الجهادية، لكن تداعيات الربيع العربي اثبت ان الاخوان أحصنة فاسدة هجينة غير قادرة على ادارة مدنية لشهور، ورغم استثنائية المثال التركي ، لجملة اسباب فشلت هي والسعودية في ان ينافسا ايران في السيطرة على التيارات السنّية المعتدلة والجهادة معا، فخلال السنوات العشر الاخيرة تترك ايران بصماتها من الجزائر الى افغانستان مرورا بفلسطين والاردن وتركيا حيث يغلغل النفوذ الايراني العقائدي والمالي.

إذاً والحال هذه، ترى امريكا ان ايران خير وكالة بديلة تستطيع الوقوف بوجه التيارات المتطرفة الجهادية السنية، التي تفتقد مركزية كهنوتية او سيطرة مركزية مالية او عسكرية وتتجول في فوضى جغرافيا البلاد الاسلامية بغير مركز سيطرة وتحكم مرجعي .

وكما اثبتت ايران حيويتها بالاستمرار والتحول الديناميكي لمواجهة الطوارئ كدولة مؤسسات مستقلة بالتراضي بين مرجعية مصلحة الامة الفارسية والعقيدة الشيعية .
أثبتت السعودية انها نموذج فاشل وفاسد وغير مؤهل لغير ادارة صراعات قبائل ومناطق خؤولة بين اجيالها داخل حدود المملكة المتهالكة.

لا تخفي ايران طموحها الاقليمي هذا، بالتوازي مع الاستكانة الغربية والتراجع التركي بوحدانية القدرة على إرضاء جميع الاطراف الفاعلة في حال توصلت الى تسوية مع العالم حول برنامجها النووي لصالح الدولة والنفوذ الاقليمي بالخدمات المتبادلة، وما فيلق القدس سوى الوسيلة التي تضبط بها ايران سيطرتها المحلية في سوريا كما فعلت في العراق ولبنان عبر جناحه حزب الله، شكلا من الدولتي الفارسي والعقيدي الشيعي.

في دولة سوريا الايرانية المستقبلية لن يكون لإرث الاسد من قيامة ولن تستمر “العلوية العسكرية” سطوة سياسية مستقلة كما تم خلال اربعين سنة مضت بعدما اصبح نظام الاسد عيبا وشؤما على العقل البشري لن تتحمل ايران امام العالم وزر جرائمه رغم شراكتها فيها.

سيتغير كل شيء عن اليوم وستتحول الجماعة العلوية الى خزان بشري سهل ومجاني عبر الجيش الشعبي لفيلق القدس مع الزمر “الداعشية” الى كمّاشتين لقاسم سليماني وفيلقه الاقليمي، للضبط والسيطرة التي ستسمح للمصالح الروسية بالبقاء ولأمن اسرائيل بالطمأنينة وسيصبح المشروع النووي الايراني حاجة أمريكية منضبطة بمعايير تحكّم الدول ذات المصداقية المسؤولة مثل الهند وأفضل من باكستان، وربما وقتها لترضي أمريكا نخوة العرب ستبيع للسعودية بدل صفقات اليمامة المليارية لأسلحة لم ولن يسمح باستخدامها، قنبلة نووية او اكثر لاستنزاف ما بقي من المال والسيادة السعودية.
في دولة التفاهمات العالمية الجديدة اي مستقبل لسوريا المستقبل ؟

قناعتي انها لن تعدو كونها فضاء بل فضاءات، ملحقة بمراكز نفوذ اقتصادية كأرياف منتجة وأسواق ملحقة بالاستثمارات التركية والايرانية كما حال العراق اليوم. بعدما تكون الهجرات الشعبية للبؤساء السوريين قد قذفت الى أطراف ضواحي مدن الصفيح الشرق اوسطية بملايين المهجرين من قوى الايدي العاملة الارخص في التاريخ والى مدن الجوار والغرب بأصحاب المهن وطلبة الدراسات العليا والاكاديميين والمتخصصين.

ستفتك المهاجر وحصارات الجوع بهياكل ملايين السوريين وجيناتهم الوراثية، كما لم يحدث في التاريخ قطّ، أمام بصر وذاكرة العالم كله، وستفعل الامراض وانعدام المناعة وسوء التغذية ما لم تفعله جرائم الاسد وايران وانصراف العالم وجهل المعارضة التي ستتحمل كل هذا الإثم.

اقرأ أيضاً بقلم بشار العيسى

“وا فلسسطيناه! الكردستانية”

في مسألة “كوباني” والقدر الكردي

فوز اردوغان التركي هزيمة للرهانات الخاسرة

بوتين والحرب الصليبية المضادة

خطوة الالف ميل: معركة الفرصة الاخيرة من أجل وطن للجميع

سنتجرع كأس التسوية المرّ حتى لا نجتَرَّ مرارة الهزيمة القاتلة

انفجارات “هولير” الاستحقاق اللغز؟

الانتقام السياسي بالعجز الجنسي

خارطة طريق لإنجاح الضربة العسكرية

أين المفرّ؟

الاسلام السياسي: الصعود الى الهاوية

في مسألة عفرين ووأد تداعيات الفتنة السلطوية

مرة أخرى وليد جنبلاط الانسانيّ: يغرّد في الاعالي وحيداً

القرف الى حد الصّدمة

“القصير”: مَكسَر حروب ولاية الفقيه أم جرحها الغائر؟

بنادق للإيجار: هدوء ما قبل انفجار عاصفة المفخخات الجهادية