الأخضر المتلون روسيا وإيرانيا.. وأسديا!

راجح الخوري (الشرق الاوسط)

  لم يلتزم الأخضر الإبراهيمي دور الوسيط المحايد الذي اشترطه عليه الأسد لكي يستقبله من جديد في دمشق، بعدما كان قد أنهى المقابلة معه بداية هذه السنة بطريقة غير لائقة، لأنه فاتحه فيما قرره مؤتمر «جنيف 1» لجهة عملية الانتقال السياسي، بل استعار عقل وليد المعلم ولسان فيصل المقداد وكاد يدخل دمشق هاتفا: «الأسد رئيسنا إلى الأبد»!

وإذا كان أحمد داود أوغلو قال للمعارضين السوريين: «لقد جاءنا الإبراهيمي يتحدث اللغة الروسية لا اللغة العربية»، في إطار من السخرية، لأن الموفد العربي – الدولي بات يتبنى على ما يبدو المنطق الروسي حيال الحل في سوريا، الذي طالما سمعناه من الرفيق سيرغي لافروف المطالب الدائم برأس المعارضة التي يعدها من «الإرهابيين»، فإن قمة السخرية أن يصل الإبراهيمي إلى دمشق متحدثا اللغة الإيرانية لا اللغة السورية، مع أن لا فرق يذكر بين هاتين «اللغتين»، لأن من الواضح أن طهران المنغمسة إلى رقبتها في القتال، مع أذرعها العراقية واللبنانية، إلى جانب الأسد، تتبنى الموقف السوري الذي يعتبر أن مؤتمر «جنيف 2» سيكون مجرد احتفالية دولية لإعادة تعويم الأسد، الذي أعلن قبل أسبوعين أنه راغب في أن يترشح لولاية جديدة، لعلها تأتي على آخر حجر ونقطة دم في سوريا المنكوبة!

ورغم أن الإبراهيمي مهد لعودته إلى دمشق بكلام استرضائي ينم عن الهامشية، فقد بدا مربكا وهو يسير إلى جانب فيصل المقداد الذي لم يخفِ سعادته بعودة المبعوث المطرود قبل أشهر، وخصوصا بعدما سبقته تصريحاته حمالة الأوجه إلى مجلة «جون أفريك» التي فهمت منها دمشق قبولا ضمنيا بدور للأسد في المرحلة الانتقالية، وهو ما يتعارض بوضوح مع اتفاق «جنيف 1» الذي دعا صراحة إلى تأسيس هيئة انتقالية تحكم بصلاحيات تنفيذية كاملة للتوصل إلى سوريا الجديدة وأن صلاحيات الهيئة المذكورة تشمل ممارسة السلطة الكاملة على القوى الأمنية والجيش.

الإبراهيمي قدم تصورا غامضا ومثيرا للجدل بل السخرية عشية وصوله إلى دمشق عندما قال إن الأسد يمكنه أن يلعب دورا في المرحلة الانتقالية من دون أن يقودها بنفسه [!]

كيف؟ ليس واضحا، لكن وكالة الصحافة الفرنسية نقلت عنه أن كثيرين من المحيطين بالأسد يرون في ترشيحه لولاية جديدة في سنة 2014 أمرا محتما، وهو يرى الأمر حقا مكتسبا أن يرغب في تأكيد إنهاء ولايته الحالية! بدا الإبراهيمي كمن وقف إلى جانب الأسد فوق عشرات الآلاف من الجثث وعلى ركام بلد مدمر بنسبة أكثر من 60%، وجاء كلامه كملح يلقى في جروح عشرات الآلاف من اللاجئين والهائمين على وجوههم في أرجاء المنطقة. ولست أدري لماذا يتعمد الإبراهيمي الوقوع في التناقض، فعندما يقول: «لقد علمنا التاريخ أنه بعد أزمة مماثلة لا يمكن العودة إلى الوراء» – يمكن أن نفهم أن ليس في وسع الأسد أن يعود إلى الوراء ليحكم سوريا بالحديد والنار، ولكنه يضيف: «الرئيس الأسد يمكنه أن يساهم بشكل مفيد (مفيد؟) في الانتقال بين سوريا الماضي وهي سوريا والده وسوريا ما أسميه سوريا الجديدة»… ولكن كيف وعلى أي أساس ليس واضحا ولا مفهوما!

لست أدري لماذا لم ينضم الإبراهيمي إلى الروس والأميركيين في رغبتهم في ترشيح الأسد لنيل جائزة نوبل للسلام لمجرد أنه وافق على تسليم ترسانته الكيماوية، فهو لم يتردد في القول: «إن الأسد كان شخصا منبوذا قبل الاتفاق على السلاح الكيماوي وتحول إلى شريك» (شريك؟).

شريك من؟! لقد وضع الإبراهيمي أصبعه في عيون المعارضة السورية سواء كانت تواجه القنابل البرميلية في المتاريس أو عند رحمة ربها في التراب وهو يقول: «بشار الأسد لم يسقط أبدا، ومهما يقول الناس لم تساوره الشكوك على الإطلاق، لا لجهة ما يحق له ولا لقدرته على حسم الأمور لصالحه»، هكذا بالحرف كأن الإبراهيمي يستعير لسان وليد المعلم.

على أساس كل هذا، هل كثير أن ترى المعارضة أن مؤتمر «جنيف 2» هو من نوع يا حصرما تراه الثعالب الروسية والأميركية والإيرانية في جنيف، وهل كثير إذا صعدت المعارضة السورية من موقفها ضد الإبراهيمي وطالبت الجامعة العربية التي ستجتمع الأحد المقبل، بإعفائه من مهمته، وخصوصا أن مؤتمر جنيف ليس في حاجة ليستمع إلى اللغة إياها أربع مرات، بالعربية من الأسد وبالروسية من لافروف وبالإيرانية من محمد جواد ظريف… وبالترهات من الإبراهيمي؟