قراءة مبكرة في سقوط الأسد والزلزال الإقليمي!

راجح الخوري (الشرق الاوسط)

 قبل أن تتساقط صواريخ «كروز» الأميركية على سوريا انفجرت «صواريخ» الرفيق سيرغي لافروف ذعرا في طهران، التي لم تكن تتصور للحظة أن موسكو ستشعل الضوء الأخضر بهذه السرعة أمام عملية عسكرية ضد نظام بشار الأسد، ردا على استعماله الأسلحة الكيماوية، وهو ما أدى إلى المذبحة في غوطتي دمشق، التي أجمع العالم على اعتبارها «جريمة ضد الإنسانية» تفرض توجيه ضربة إلى النظام ولو من خارج مجلس الأمن الذي يقفله الروس بالفيتو!

لا معنى لكل التحذيرات الكلامية التي أطلقها لافروف، فعندما سئل: «هل سترد روسيا على الولايات المتحدة في حال تدخلها عسكريا في سوريا؟» رد في شكل جازم: «روسيا لا تعتزم الدخول في أي حرب مع أي كان بسبب سوريا». كان هذا الموقف كافيا لأن يصاب النظام الإيراني بالذعر وهو يتحسس بدء انهيار قاعدة الجسر السورية لما يسمى «جبهة الصمود المقاومة»، التي تسند نفوذه الممتد إلى شواطئ المتوسط في جنوب لبنان عبر حزب الله، وإلى غزة عبر حركة حماس التي تحاول إحياء تحالفها مع طهران بعد انهيار حكم «الإخوان المسلمين» في مصر!

كان في وسع موسكو أن تؤخر الإعلان عن أنها لن تتدخل إلى أن تبدأ الضربة، لكن إسراعها سهل على البيت الأبيض تشكيل التحالف الدولي الذي تجري الضربة القاصمة تحت رايته، وخصوصا بعدما تعمد لافروف التذكير بأن موسكو لم تتدخل لحماية ميلوسوفيتش في يوغوسلافيا ولا تدخلت لحماية صدام حسين في العراق، مكتفيا بالتنبيه إلى «مساوئ التدخل العسكري».

لكن التحليلات الروسية التي تحدثت عن خسائر روسيا الفادحة على مستويات مختلفة بسقوط نظام الأسد، ترى أن خسائر إيران ستكون كارثية، لأن هذا النظام تماهى مع طهران إلى حد القول إن سوريا هي «الولاية الإيرانية رقم 35»، ولأنها استثمرت 30 عاما لتبني قاعدة الجسر السورية التي سمحت لها بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وخصوصا الخليجية، ودائما عبر رفع شعارات محاربة العدو الإسرائيلي، رغم أن إسرائيل أظهرت حرصا على بقاء نظام الأسد يماثل الحرص الإيراني!

ربما من المبالغة القول إن الموقف الروسي كان بمثابة ضوء أخضر مبكر لضرب النظام السوري، لكن هل كان في وسع روسيا أن تتحمل إثم تغطية المذبحة الكيماوية في الغوطتين، بعدما تحملت آثام مسلسل حمامات الدم وعمليات التدمير الأشد وحشية، التي يتعرض لها الشعب السوري منذ ثلاثة أعوام بالأسلحة الروسية وبالكيماويات المصنعة بخبرات روسية، وأيضا بغطاء سياسي روسي قبيح؟

ومن المؤكد أن سقوط النظام السوري يمثل ضربة قاصمة توجه إلى الدور الإيراني على المستوى الإقليمي، فالعراق لن يبقى ساحة متقدمة لخطط طهران التي سرعان ما ستجد نفسها في مواجهة مشاكل داخلية عميقة، لا تقتصر على أزمتها الاقتصادية الخانقة بعدما أنفقت المليارات على خططها وتدخلاتها في الإقليم وعلى تمويل حرب النظام السوري ضد الشعب، بل تتصل بأزمة الحريات العامة فيها، وقد كانت الانتخابات الرئاسية الأخيرة مؤشرا صارخا عليها.

وإذا كان سقوط النظام السوري سيمثل خسارة فادحة في موسكو وكارثة محققة في طهران، فإنه زلزال إقليمي سيعيد رسم الخريطة السياسية للمنطقة، ليس انطلاقا من تردداته الحتمية على دول الجوار، كالعراق ولبنان والأردن وتركيا، فحسب، بل من آثاره المحتملة إقليميا ودوليا، فانكفاء الروس ستكون له أثمانه، وانهيار منصة التدخلات الإيرانية في الإقليم سيضع الملالي في مواجهة مشاكلهم الداخلية العويصة، وإذا تذكرنا ما حصل في مصر وهو ما يمثل سقوطا مدويا للرهان الأميركي والتركي على قيام «شرق أوسط إخواني جديد» يسقط المعايير القومية ويهمش الهموم الوطنية، يمكن القول إننا أمام فرصة تاريخية لإعادة لملمة العالم العربي المتشظي، ذلك أن سقوط النظام السوري قد يعيد ترتيب الأوراق السياسية في العراق بما قد يؤدي تاليا إلى سقوط الأذرع المعتمدة للتدخلات الإيرانية في الإقليم. كذلك أن سقوط الرهان على حكم إقليمي لـ«الإخوان المسلمين» سيسقط «الأحلام العثمانية» التي تنامت في تركيا إلى درجة أن أنقرة عادت إلى تاريخ «الباب العالي».

لقد انتهى أو كاد ذلك العصر البائس عندما كان يجري تقسيم العرب تقدميين بالمزاعم ورجعيين بالاتهامات الباطلة، أو كما ادعى عبد الحليم خدام عندما كان من بطانة النظام السوري أن العرب عربان؛ «عرب الجغرافيا» الذين تقع عليهم أوزار القومية، و«عرب الجيولوجيا» أي النفط الذين عليهم فقط تمويل «القومجيين»، الذين أورثونا الهزائم ثم الكوارث وآخرها سوريا المدمرة!